قوله:"ولا بآبائكم" كانت العرب في جاهليتهم يحلفون بالطواغي وبآبائهم، فنهوا عن ذلك؛ ليكونوا على تيقظ في محاوراتهم؛ حتى لا يسبق به لسانهم؛ جريًا على ما تعودوه. انتهى.
قال القرطبي: قوله: "بالطواغي" الطواغي جمع طاغية؛ كالروابي جمع رابية، والدوالي جمع دالية، والسواني جمع سانية؛ مأخوذة من الطغيان؛ وهو الزيادة على الحد، ومنه قوله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}(١)؛ أي: زاد، وقد تقدم أن الطواغي والطواغيت: كل معبود سوى الله، في كتاب الأيمان، وقد تقرر أن اليمين بذلك محرم، ومع ذلك فلا كفارة فيه عند الجمهور لأجل الحلف بها، ولا لأجل الحنث.
أما الأول .. فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:"من قال: واللات والعزى .. فليقل: لا إله إلا الله"، ولم يذكر كفارة، ولو كانت .. لوجب تَنْبِيهُنا عليها؛ لتعيين الحاجات إلى ذلك.
وأما الثاني .. فلأنها ليست بيمين منعقدة ولا مشروعة فيلزم بالحنث فيها الكفارة، وقد شذ بعض الأئمة وتناقض فيما إذا قال: أُشرِكُ بالله، أو أَكْفر بالله، أو هو يهودي، أو هو نصراني، أو بريء من الإسلام، أو من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من القرآن، وما أشبه ذلك، فقال: هي أيمان يلزم بها كفارة إذا حنث فيه.
أما شذوذه .. فلأنه لا سلف له فيه من الصحابة، ولا موافق له من أئمة الفتوى فيما أعلم، وأما تناقضه .. فلأنه قال: لو قال: واليهوديةِ والنصرانيةِ والنبيِ والكعبةِ .. لم يحنث وعليه كفارة عنده مع أنها على صيغ الأيمان