وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) جابر: (إنما جَعَل) وحَكم (رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما) أي: في كل مشترك شائع (لم يقسم) بين الشركاء من قَبْلُ (فإذا) قُسم مِن قَبْلُ و (وقعت) وحصلت (الحدود) والعلامات التي تبين كل نصيب من أنصباء الشركاء (وصرفت) أي: بينت (الطرق) والشوارع لكل نصيب من الأنصباء.
قال القاري: أي: بينت الطرق؛ بأن تعددت وحصل لكل نصيب طريق خاص به وبِيعَ واحدٌ من تلك الأنصباء المعيَّنةِ .. (فلا شفعة) ولا أَخْذَ لباقي الشركاء في الأصل ذلك النصيبَ المبيعَ مِن مُشْتَرِيه، قال القاري: بعد القسمة؛ فعلى هذا إنما تكون الشفعة للشريك لا للجار، وهو مذهب الشافعي.
وأما من يرى الشفعة بالجوار لأحاديث وردت في ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه .. يقول: إنَّ قولَه: "فإذا وقعت الحدود" ليس من الحديث، بل شيء زاده جابر من عند نفسه. انتهى.
قلت: رُدَّ ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل، وورود ذلك في حديث غيره مُشْعِرٌ بعدم الإدراج؛ كما في حديث أبي هريرة الماضي في أول هذا الباب.
وقال المناوي: وقوله: "الحدود" جمع حد؛ وهو الفاصل بين شيئين؛ وهو هنا: ما يَتميَّز به الأملاكُ بعد القِسمة، فإذا وقعت الحدود؛ أي: بُيِّنت أقسامُ الأرض المشتركة؛ بأن قسمت وصار كل نصيب منفردًا .. فلا شفعة؛ لأن الأرض بالقسمة صارت غير مشاعة، دل على أن الشفعة تختص بالمشاع، وأنه لا شفعة للجار، خلافًا للحنفية. انتهى.