كونِ الزوالِ إثمًا أو ذنبًا حتى يقال: إنه ليس بذنبٍ؛ فكُلُّ ذَنْب بجهةِ كونِهِ ذنبًا أَعْظَمُ منه، فأيُّ تعظيم حَصلَ للقتل بجعلِ زوالِ الدنيا أهونَ منه، وإن أريد بالزوالِ: الإِزالةُ .. فإزالةُ الدنيا يَسْتَلْزِمُ قَتْلَ المؤمنين، فكيفَ يُقال: إِنَّ قَتْلَ واحدٍ أعظمُ مما يَسْتَلْزِمُ قَتْلَ الكل، وكذا لا يتوقَّفُ على كونِ الدنيا عظيمة في ذاتِها عند الله حتى يقال: هي لا تُساوي جناحَ بعوضة عند الله؛ فكُلُّ شيءٍ أعظم منها، فلا فائدة في القول بأن قتل المؤمن أعظم منها مثلًا.
وقيل: المراد بالمؤمن: الكاملُ الذي يكون عارفًا بالله تعالى وصفاته؛ فإنه المقصود من خلق العالم؛ لكونه مظهرًا لآياته وأسراره، وما سواه في هذا العالم الحسي من السماوات والأرض مقصود لأجله، ومخلوق؛ ليكون مسكنًا له ومحلًا لتفكيره، فصار زواله أعظم من زوال التابع. انتهى منه.
قوله:(لزوال الدنيا) اللام لام الابتداء (أهون) أي: أحقر وأسهل (على الله) أي: عند الله (من قتل رجل مسلم) قال الطيبي رحمه الله تعالى: الدنيا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر الدار الأخرى، وهي مزرعة لها؛ كما قيل:(وما خُلِقت السماواتُ والأرضُ إلا لتكون أنظارَ المتبصرين ومتعبداتِ المطيعين، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} (١)؛ أي: بغير حكمة، بل خلقْتَها لأَنْ تجعلَها مساكنَ المكلَّفِين، وأدلةً لهم على معرفتك؛ فمن حاول قَتْلَ مَنْ خُلقت الدنيا لأجله .. فقد حاول زوال الدنيا، وبهذا لَمحَ ما ورد في الحديث الصحيح:"لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله"، قال القاريُّ: وإليه الإيماء بقوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ