وإذا كان هذا في الصلوات كلها .. كانت الوسطى بذلك أولي، وحقها في ذلك أكثر وأوفى؛ فمن اجترأ بعدها على اليمين الغموس التي يأكل بها مال الغير .. كان إثمه أشد، وقلبه أفسد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(و) ثالثهم: (رجل بايع) وعاهد (إمامًا) وسلطانًا على الإمامة حالة كونه (لا يبايعه) أي: لا يريد مبايعته (إلَّا لدنيا) أي: إلَّا لأجل نيل حظوظ الدنيا منه من المال والجاه وغيرهما لا لاتفاق الكلمة (فإن أعطاه) أي: فإن أعطاه الإمام (منها) أي: من الدنيا .. (وفى له) وبَرَّ ونفذ تلك البيعة، فلا ينقضها ولا يخدعه (وإن لَمْ يعطه) أي: وإن لَمْ يعط الإمام ذلك الرجل مراده (منها) أي: من الدنيا ... (لَمْ يف له) ذلك الرجل بيعة الإمام، بل ينقضه ويسعى في إبطالها.
وقال القاضي: استحق ذلك؛ لغشه الإمام والمسلمين؛ لأنه يُظن أنه إنما بايعه ديانة، وهو قصد ذلك مع ما يشير من الفتن لا سيما إن كان متبوعًا. انتهى.
قال القرطبي:(ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلَّا لدنيا) إنما استحق هذا الوعيد الشديد؛ لأنه لَمْ يقم لله تعالى بما وجب عليه من البيعة الدينية؛ فإنها من العبادات التي تجب فيها النية والإخلاص، فإذا فعلها لغير الله تعالى من دنيا يقصدها، أو غرض عاجل يقصده .. بقيت عهدتها عليه؛ لأنه منافق مراء غاش للإمام والمسلمين غير ناصح في شيء من ذلك، ومن كان هذا حاله .. كان مثيرًا للفتن بين المسلمين؛ بحيث يسفك دماءهم، ويستبيح أموالهم، ويهتك بلادهم، ويسعى في إهلاكهم؛ لأنه إنما يكون مع من بلغه إلى أغراضه، فيبايعه لذلك وينصره، ويغضب له، ويقاتل مخالفه، فينشأ من ذلك تلك المفاسد،