فصعد إبراهيم جبل الرحمة في عرفة؛ كما في القرطبي، فنادى: يا أيها الناس؛ كتب الله عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، ألا ترون الناس يجيىون إليه من أقصى الأرض يلبون.
ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وفيه: فأجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة، إلا من كان أجاب إبراهيم عليه السلام يومئذ.
زاد غيره: فمن لبى مرة .. حج مرة، ومن لبى مرتين .. حج مرتين، ومن لبى أكثر .. حج أكثر بقدر تلبيته، وقد وقع في المرفوع تكرير لفظة: البيك لبيك لا شريك لك لبيك) ثلاث مرات، وكذا في الموقوف، إلا أن في المرفوع الفصل بين الأولى والثانية بقوله:(اللهم) وقد نقل اتفاق الأدباء على أن التكرير اللفظي لا يزاد على ثلاث مرات.
(إن الحمد) روي بكسر الهمزة على الاستىناف؛ كأنه لما قال: لبيك .. استأنف كلامًا آخر، فقال: إن الحمد، وبالفتح على التعليل؛ كأنه قال: أجبتك؛ لأن الحمد والنعمة لك، والكسر أجود عند الجمهور، وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة، وابن قدامة عن أحمد بن حنبل، وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية؛ لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة، فكأنه قال: إن الحمد والنعمة لك على كل حال، والفتح يقتضي التعليل، فكأنه قال: أجبتك؛ لأن الحمد والنعمة لك.
(والنعمة لك) - بكسر النون -: الإحسان والمنة، وهي بالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد، ويجوز الرفع على الابتداء، والخبر محذوف؛ لدلالة خبر إن عليه؛ تقديره: إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك.