والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: جاءت فأرة فجرت الفتيلة، فألقتها بين النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا نمتم .. فاطفئوا سراجكم؛ فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم".
قال ابن دقيق العيد: إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة .. فمقتضاه: أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة .. لا يمنع إيقاده؛ كما لو كانت على منارة من نحاس أملس لا يمكن للفأرة الصعود إليه، أو يكون مكانه بعيدًا عن موضع يمكنها أَنْ تَثِبَ منه إلى السراج، قال: وأما ما ورد الأمر بإطفاء النار مطلقًا؛ كما رواه مسلم في حديث أبي موسى الأشعري .. فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جر الفتيلة؛ كسقوط شيء من السراج على بعض متاع البيت، وكسقوط المنارة فينثر السراج إلى شيء من المتاع فيحرقه، فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك؛ فإن استوثق بحيث يؤمن معه الاحتراق .. فيزول الحكم بزوال علته، كذا في "فتح الباري".
والحاصل: أن إطفاء السراج أو النار معلل بالأمن من الاحتراق ومن الإسراف وإضاعة المال.
ويؤخذ منه حكم إطفاء نور الكهرباء، فإن لزم منه إضاعة المال .. منع منه، وإن كان لحاجة .. فلا بأس.
وقال الحافظ في "الفتح": (١١/ ٨٧): وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها؛ فمنها ما يحمل على الندب؛ وهو التسمية على كل حال، ومنها ما يحمل على الندب والإرشاد؛ كإغلاق الأبواب من أجل التعليل بأن الشيطان لا