كلفة منا ببذر ولا حرث ولا سقي، بل تنبت في وسط الليل بعد الغروب، وتؤكل عند الطلوع؛ كما أن المن ينزل عليهم فضلًا من الله تعالى من غير سبب منهم.
والمن: شيء مثل السكر والعسل أنزله الله تعالى على بني إسرائيل في أرض التيه على أشجارها، ويقال له: الترنجبين فيتناولونه ويأكلونه، وإنما نالت الكمأة هذا الثناء؛ لأنها من الحلال الذي ليس في اكتسابه شبهة.
قوله:(وماؤها للعين) قال القاضي عياض في "شرح مسلم": قال بعض أهل العلم بالطب في معنى هذا الحديث: إما لتبريد العين من بعض ما يكون فيها من الحرارة؛ فتستعمل فيها مفردة؛ وإما لغير ذلك؛ فمركبة مع غيرها. انتهى من "المفهم".
قال الخطابي في "شرحه على البخاري"(٢/ ١٨٠٠): قوله: (وماؤها شفاء للعين) بأن يربي به الكحل أو التوتيا أو نحوهما مما يكتحل به فينتفع بذلك، وليس بأن يؤخذ بحتًا فيكتحل فيتدواى به؛ لأن ذلك يؤذي العين ويقذيها، وهو الذي اختاره ابن الجوزي.
ويؤيده ما حكاه الحافظ من قول الغافقي في "المفردات": ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به؛ فإنه يقوي الجفن، ويزيد البصر قوةً، ويدفع عنها النوازل.
واختار النووي: أن ماءها مجردًا شفاء للعين مطلقًا، فيعصر ماؤها، ويجعل في العين منه. انتهى.
وسبب هذا الحديث ما أخرجه الطبري من طريق ابن المنكدر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامتنع قوم من أكلها، وقالوا: هي جدري الأرض، فبلغه ذلك،