[المبحث الثالث صفتا الأحكام الكلية: العموم، والتجريد]
إنَّ الحكم الكلي يتكون من شطرين هما: مُعَرِّفات الحُكْم (الحكم الوضعي)، والحكم (وهو الذي يطلق عليه الحكم التكليفي)، وهو الأصل في الِإطلاق، والمُعَرِّفات تابعة له؛ لأَنَّه لا يتم بدونها، وشطرا الحكم في حقيقتهما نظم واحد يطلق عليه: الحكم الكلي، وهذا الحكم الكلي له صفتان هما: أنَّه عام، ومجرد، وقد أشار إليهما ابن خلدون (ت: ٨٠٨ هـ) وهو يحدد وظيفة العلماء في التقعيد والتأصيل، فهو يقول: "إنَّهم معتادون النظر الفكري، والغوص على المعاني، وانتزاعها من المحسوسات، وتجريدها في الذهن، أمورًا كلية عامة؛ ليحكم عليها بأمر العموم لا بخصوص مادة، ولا شخص، ولا جيل، ولا أمة، ولا صنف من الناس، ويطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيات، و -أيضًا- يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهي، فلا تزال أحكامهم وأنظارهم كلها في الذهن، ولا تصير إلى المطابقة إلَّا بعد