الإِنسان كائن حيٌّ متحرك ومن المعتاد أَنْ يُحْدِث أَوْ يَحْدُث له نوازل مستجدة لم تكن فيمن قبله من المعاملات التي ربما حدثت فيها الخصومات فاحتاج القاضي إلى تقرير حكمها، قال الفقهاء: إذا حدث ما لا قول فيه للعلماء تكلم فيه حاكم ومفتٍ ومجتهد، فيرده إلى الأصول والقواعد (١).
وقد كان هذا هو دأب العلماء المحققين من فقهاء ومفتين وقضاة، يواجهون النوازل المستجدة بالأحكام الشرعية المستنبطة من مصادرها؛ لحاجة الأمة لها في معرفة حكمها الكلي ابتداءً وإفتاءً وقضاءً، يقول الجويني (ت: ٤٧٨ هـ): "لست أحاذر إثبات حكم لم يدونه الفقهاء ولم يتعرض له العلماء، فإنَّ معظم مضمون هذا الكتاب - يعني كتابه الغياثي - لا يلفى مدونًا في كتاب، ولا مضمنًا لباب، ومتى انتهى مساق الكلام إلى أحكام نظمها أقوام أَحَلْتُها على أربابها، وعزيتها إلى كُتَّابِها، ولكني لا أبتدع ولا أخترع شيئًا، بل ألاحظ وضع الشرع، وأستثير معنى يناسب ما أراه وأتحرَّاه، وهكذا سبيل التصرف في الوقائع المستجدة التي لا توجد فيها أجوبة للعلماء معدة، وأَصْحَاب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهم- لم يجدوا في الكتاب والسنة إِلَّا نُصوصًا معدودة، وأحكامًا محصورة
(١) الكشاف ٦/ ٣٠٠، البهجة ١/ ٤٥ - ٤٦، مقاصد الشريعة ١٤١، أصول الحنفية للكرخي ١٧٣، الغياثي ٢٦٦.