إنَّ القضاء من ضرورات الاجتماع، فهو يحلّ مع الناس أينما حَلُّوا، وما ذاك إلَّا لأَنَّه يحصل من اجتماع الإِنسان مع غيره التعامل والتنازع بسبب شبهة تعرض لتقي، أَوْ شهوة تصدر من شقي، فكان بالناس حاجة للقضاء منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا.
والقواعد والأحكام موضوعيةً أَوْ إجرائيةً التي يقررها الفقهاء في مصنفاتهم مستمدةً من الكتاب والسنة أَوْ أدلة التشريع الأخرى - تبقى مصورة في الأذهان صورًا مثالية (١)، حتى إذا لامستها الوقائع والنوازل القضائية تنزلت من الأذهان صورًا مثالية إلى الأعيان والأشخاص وقائع حية.
وعرض الوقائع والنوازل القضائية السابقة مع أحكامها على القضاة والمفتين مما يصقل مواهبهم ويُحْكِمُ تجاربهم وخبراتهم، ويُكْسِبُهم مَلَكَةً تُهَيِّؤُهم لمعرفة تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع
(١) يطلق المثال على صورة الشيء الذي يمثل صفاته (الوسيط لمجمع اللغة ٢/ ٨٥٤).