القضائية والفتوية، فلا يكفي لفنٍّ من الفنون التعرّفُ على الأحكام النظرية له، بل لا بُدَّ من الارتياض في مباشرته وتطبيقه حتى يكون لقاصده من ذلك ملكة قارَّة قادرة على الاهتداء لأصول هذا الفنِّ وإدراك الأحكام العارضة له، فيهتدي لمعاقده، ويَتَنَبَّه لفروقه؛ لكثرة نظره فيه، وإتقانِه لأصوله ومآخذه، وتردُّدِه في ممارسته حتى تكون مباشرته عنده سهلة ميسرة، وذلك من أنفس ما يحصله المتدرب في كل فنٍّ، وهو من أنفس صفات متلقي الأحكام الشرعية لتنزيلها على الوقائع في الفتيا والقضاء.
وقد نُقِلَتْ إلينا ثروة من الوقائع القضائية مما استَلجَّ فيه الخصوم، وتنازع وتنازل فيه المحتكمون.
وقد رأيت عرض عدد من هذه الوقائع التي قضى فيها سلف هذه الأمة ومَنْ بعدهم خلال مسيرة أمتنا الخَيِّرَة في تاريخها الطويل حتى يومنا هذا مع التعليق على هذه الوقائع بما يستفاد منها، أَوْ يتقرر من الأحكام والفوائد فيها.
وقد رتبت هذا الباب في ثلاثة فصول على نحو ما سلف، وأتناولها فصلًا ففصلًا فيما يلي: