إنَّ القاضي -بل والمفتي- وهو يوصف الواقعة عليه مراعاة مقاصد الشرع وحكمته، فالشرع له مقاصد في الأحكام، سواء كانت هذه المقاصد عامةً، أَمْ خاصة، أَمْ جزئية، وإذا كانت معرفة مقاصد الشرع في مجال تفسير الأحكام الكلية من الأهمية بمكان فإن معرفتها عند تَوْصِيف الأَقْضِيَة لا يقلّ أهمية عن ذلك، فهي تعين القاضي على تحديد التَّوْصِيف ابتداءً، كما ترجح بعضها على بعض عند تَعَدُّد الاحتمالات فيها؛ ذلك أن تنزيل الحكم الكلي على الأعيان والوقائع مشخصة يتطلب نظرًا خاصًّا يراعي فيه خصوصية الواقعة بأحوالها، وظروفها، وملابساتها، ومقاصدُ الشريعة وحكمتها من وراء ذلك تحوطه وتوجهه، فتعين على معرفة قبول المحل للحكم الكلي وتوصيفه عليه، أَوْ عدم قبوله لذلك.
يقول ابن القَيّمِ (ت: ٧٥١ هـ): "الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث - فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل"(١).