والاجتهاد بهذا المفهوم أعم من القياس، فهو يشمل القياس وغيره، على أَنَّ من الأحكام ما يدرك مباشرة من الدليل، لأَنَّه مجمع عليه، كوجوب الصلوات الخمس، أَوْ لأَنَّ النَّصّ فيه صريح، كحد القاذف المدرك من قوله- تعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤]، فهذا وإن لم يسم اجتهادًا لأَنَّه لا يحتاج من الفقيه مبلغ جهده إلَّا أَنّه لا يدرك الجزم به بيقين أَوْ غلبة ظن إلَّا فقيه له علم بمواقع الإِجماع، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، وصِحَّة الحديث وضعفه، وغيرها من العلوم والفنون التي يحتاجها الفقيه، ولو مع ظهور النَّصّ.
٣ - أَنْ يكون المجتهد فيه من الأحكام الشرعية:
فلا يدخل في ذلك الاجتهادُ في العقليات والمحسوسات، لأَنَّ الاجتهاد فيها لا يتطلب النظر في الأدلة، نعم قد يحتاج المجتهد إلى شيء من الاجتهاد في العقليات أَوْ الحسيات ونحوها لإِدراك دليل وقوع الحكم، ولكن ذلك يخرج عن الاجتهاد في دليل مشروعيته، وقد يحصل المجتهد ذلك عن طريق أهل الخبرة إذا استدعى ذلك بيان حكم المسألة.