للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان العلماء المحققون يهدون إلى هذه الطريقة، ويؤكدون على أَنَّ من أراد الكتابة والتأليف فعليه الإِفادة ممن سبقه، يقول القاضي الخُوَيِّي الشافعي (ت: ٦٩٣ هـ): "واعلم أَنَّ بعض الناس يفتخر ويقول: كتبت هذا وما طالعت شيئًا من الكتب، ويظن أَنّه فخر، ولا يعلم أَنَّ ذلك غاية النقص؛ فإنَّه لا يعلم مزية ما قاله على ما قيل، ولا مزية ما قيل على ما قاله، فبماذا يفتخر؟ ! ومع هذا ما كتبت شيئًا إلَّا خائفًا من الله، مستعينًا به، معتمدًا عليه، فما كان حَسَنًا فمن الله وفضله بوسيلة مطالعة كلام عباد الله الصالحين، وما كان ضعيفًا فمن النفس الأَمَّارَة بالسوء" (١).

لكن لا بُدَّ من معرفة الدليل والمأخذ حتى يكون على يقين فيما يأخذ ويدع، وما يخرِّج وما يلحق، يقول ابن السبكي (ت: ٧٧١ هـ): "فإنَّ المرء إذا لم يعرف علم الخلاف والمأخذ لا يكون فقيهًا إلى أَنْ يلج الجمل في سَمِّ الخِياط، وإنَّما يكون ناقلًا مخبطًا، حامل فقه إلى غيره، لا قدرة له على تخريج حادثٍ بموجود، ولا قياس مستقبلٍ بحاضر، ولا إلحاق غائبٍ بشاهد، وما أسرع الخطأ إليه! وأكثر تزاحم الغلط عليه! وأبعد الفقه لديه! " (٢).

ولذا فإنَّ القاضي والمفتي حين يقرر الحكم الفقهي للتَّوْصيف يستفيد من غيره، وإذا وقف على المسألة مقررة بدليلها وكان الدليل


(١) البرهان في علوم القرآن ١/ ١٦.
(٢) طبقات الشافعية الكبرى ١/ ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>