٣ - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أَنَّه قد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان"(١).
وإنَّما وقع النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - للقاضي عن القضاء وهو غضبان حتى لا يخل باجتهاده في تنزيل الحكم الكلي على الواقعة القضائية، فدَلَّ على مشروعية التَّوْصِيف.
يقول ابن سعدي: "إنَّ النهي عن الحكم في حال الغضب ونحوه مقصود لغيره، وهو أَنَّه ينبغي للحاكم ألَّا يحكم حتى يحيط علمًا بالحكم الشرعي الكلي، وبالقضية الجزئية من جميع أطرافها، ويحسن كيف يطبقها على الحكم الشرعي، فإنَّ الحاكم محتاج إلى هذه الأمور الثلاثة:
الأول: العلم بالطرق الشرعية التي وضعها الشارع لفصل الخصومات والحكم بين الناس.
الثاني: أَنْ يفهم ما بين الخصمين من الخصومة، ويتصورها تصورًا تَامًّا، ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته، ويشرح قضيته شرحًا تَامًّا، ثم إذا تحقق ذلك وأحاط به علمًا احتاج إلى الأمر الثالث.
الثالث: هو صفة تطبيقها وإدخالها في الأحكام الشرعية.
فمتى وفق لهذه الأمور الثلاثة وقصد العدل وُفِّق له وهدي إليه،
(١) متفق عليه، واللفظ لمسلم، فقد رواه البخاري (الفتح ١٣/ ١٣٦)، وهو برقم ٧١٨٥، ومسلم (٣/ ١٣٤٢)، وهو برقم ١٧١٧.