ومن المهم الرجوع إلى النَّصّ المقرر للحكم الكلي، والتحقق من الشروط المقتضية له من مظانه، وعدم الاعتماد على حفظ القاضي له حتى لا يفوته شيء منه.
وبعد ذلك يقوم القاضي بتحليل مُعَرِّفَات الحُكْم الكلي الفقهي الموجودة في النَّصّ الشرعي، والتي تُمَثِّل فروض الحكم الكلي وعناصره التنظيرية الكلية؛ من السبب والشرط وعدم المانع، ومن ثمَّ يعرض القاضي الواقعة القضائية على هذه الفروض والأوصاف والمُعَرِّفَات الكلية وصفًا وصفًا، فما قابل منها المؤثر فهو مؤثر نعتدُّ به، وما خلا من ذلك فهو الطردي الذي يحذف ويلغى (١)؛ وما ذلك إلَّا لأَنَّ تَوْصِيف الواقعة القضائية والحكم فيها يتم على مثال الحكم الكلي الفقهي، ومنه يتعرف على الوقائع مؤثِّرِها وطرديِّها، فعلى القاضي أَنْ يحدد الحكم الكلي، ومن ثم إجراء المقابلة بينه وبين الواقعة المختلطة، فما قابل المؤثر فهو المعتدُّ به، وما عداه فهو الطردي الذي يلغى ويهدر، مع لحظِ ما في الوقائع من شروط وتقسيم يقتضيها الحكم الكلي الفقهي.
وهذه الوسيلة- أعني التحليل والمقابلة- كان فقهاؤنا يَهْدُون إليها من رام إجابة لسائل في فتوى ونحوها، يقول الإِمام الكرخي (ت: ٣٤٠ هـ): "إنَّ السائل إذا سأل سؤالًا ينبغي للمسؤول أَلَّا يجيب
(١) انظر في طريقة التحليل والتركيب: ضوابط المعرفة للميداني ١٣٩.