الوقائع والأعيان بخصوصها بدلًا من بقائها عامة مجردة كائنة في الأذهان؛ إذ إنَّ الله- عزَّ وجلّ- إنَّما شرع الأحكام والتكاليف لتطبق على الأشخاص والأعيان وقائع حية، لا لتبقى في الأذهان صُوَرًا مثالية (١).
وهذا يكشف علاقة هذا الفن- تَوْصِيف الأَقْضِيَة- بغيره من علوم الشريعة؛ أصولًا وفقهًا، فإذا كان أصول الفقه يهدف إلى بيان صفة استنباط الأحكام الكلية من مصادرها الشرعية- الكتاب، والسُّنَّة، والِإجماع، والقياس، وغيرها-، وكان الفقه هو محصلة هذا الاستنباط، وهو حكم على أفعال العباد بوجوب، أَوْ حرمة، أَوْ كراهة، أَوْ استحباب، أَوْ إباحة، أَوْ صحة، أَوْ بطلان، أَوْ ثبوت ملك، أَوْ رفعه، أَوْ ضمان، أَوْ نفيه- فإنَّ فن تَوْصِيف الأَقْضِيَة موضوعَ بحثنا يضبط طريقة تنزيل الأحكام الكلية الفقهية على الوقائع القضائية.
ولتنزيل الأحكام على الوقائع قواعد وأصول ضابطة تعين القاضي والمفتي على التطبيق الصحيح للأحكام الشرعية على الوقائع؛ قضائية، أَوْ فتوية، وتقيه بتوفيق الله- عزَّ وجلّ- من التخبط والزلل، كما يحتاج القاضي فيه إلى بيان طريقة تقرير الحكم
(١) يطلق المثال على: صورة الشيء الذي يمثل صفاته [الوسيط لمجمع اللغة ٢/ ٨٥٤].