للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنَّ تقرير الحكم الكلي وأوصافه- مفترضاته ومُعَرِّفَاته- منزل في الأذهان لا على الأعيان، وهو مقرر لأجل تطبيقه على الأعيان، والأعيان والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة بل مشخصة، فلا بُدَّ من إيقاع الحكم عليها بتحلية الواقعة بالأوصاف المقررة في الحكم الكلي، وهذا هو التَّوْصِيف، ولو فرض عدمه لانعدم الحكم على الأعيان، وكان التكليف محالًا، وهو غير ممكن شرعًا وعقلًا (١).

يقول الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ): "ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد (٢) لم تنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلَّا في الذهن؛ لأَنَّها مطلقات وعمومات، وما يرجع إلى ذلك منزلات (٣) على أفعال مطلقات كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة، وإنَّما تقع معينة مشخصة، فلا يكون الحكم واقعًا عليها إلَّا بعد المعرفة بأَنَّ هذا المعين يشمله ذلك المطلق أَوْ ذلك العام ... فلا بُدَّ من هذا الاجتهاد في كل زمان؛ إذ لا يمكن حصول التكليف إلَّا به، فلو فرض التكليف مع إمكان ارتفاع هذا الاجتهاد لكان تكليفًا بالمحال، وهو غير ممكن شرعًا كما أَنَّه غير ممكن عقلًا، وهذا


(١) الموافقات ٤/ ٩٣ - ٩٤، مجموع الفتاوى ٢٩/ ١٥٣ - ١٥٤، شرح مختصر الروضة ٣/ ٢٣٥.
(٢) يعني: تحقيق المناط بتعيين محل الحكم الكلي وهو التَّوْصِيف للواقعة.
(٣) أي مفترضات.

<<  <  ج: ص:  >  >>