للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوصافها عمل لا يسوغ للقاضي تركه؛ لأَنَّه لا يتمكن من تَوْصِيف الوقائع القضائية والحكم فيها إلَّا به، يقول ابن القَيَّمِ: "لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلَّا بنوعين من الفهم؛ أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو حكم الله الذي حكم به في كتابه أَوْ على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر" (١).

وبالفهم ودقة الاستنباط يتوصل القاضي إلى حل ما أشكل، وفك ما أعضل، وبه فاق بعض القضاة بعضًا في استخراج الحق، وإيصاله لأصحابه، يقول ابن القَيِّمِ: "والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم هو الفهم في الواقع، والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال، وهذا الذي فات كثيرًا من الحكام فأضاعوا كثيرًا من الحقوق" (٢).

فهذا إياس بن معاوية (ت: ١١٢ هـ) أتته امرأتان تختصمان في كُبَّة غزل ليس معهما بينة، فَبَعَّدَ واحدة وقَرَّبَ الأخرى، فقال لها: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على كسرة خبز، فَنَحَّاها وقرَّب الأخرى، فقال لها: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على خرقة,


(١) إعلام الموقعين ١/ ٨٧، ٨٨، وفي المعنى نفسه: الطرق الحكمية ٤، ٥.
(٢) الطرف الحكمية ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>