للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأنت اليوم خال، فإن رأيت أن تنظر فيها؟ فقال له جعفر: على أن تقيم عندي اليوم، فقال له أحمد: نعم! فصرف دوابه وأقام فلما تغدوا جاءه بالرقاع فقال له جعفر: هذا وقت ذا؟ دعنا اليوم، فأمسك عنه أحمد وانصرف في ذلك اليوم ولم ينظر في الرقاع، فلما كان بعد أيام خلا به فذاكره الرقاع، فقال: نعم على أن تقيم عندي اليوم، فأقام عنده ففعل به مثل الفعل الأول حتى فعل به ذلك ثلاثا، فلما كان في آخر يوم أذكره فقال: دعني الساعة وناما، فانتبه جعفر قبل أحمد فقال لخادم له: اذهب إلى خف أحمد بن الجنيد فجئنى بكل رقعة فيه. وانظر لا يعلم أحمد، فذهب الغلام وجاء بالرقاع، فوقع جعفر فيها عن آخرها بخطه بما أحب أصحابها، ووكد ذلك، ثم أمر الخادم أن يردها في الخف، فردها، وانتبه أحمد وأخذوا في شأنهم، ولم يقل له فيها شيئا، وانصرف أحمد، فركب يعلل أصحاب الرقاع بها أياما، ثم قال لكاتب له: ويحك هذه الرقاع قد أخلقت في خفي، وهذا- يعنى جعفرا- ليس ينظر فيها، فخذها تصفحها وجدد ما خلق منها فأخذها الكاتب فنظر فيها فوجد الرقاع موقعا فيها بما سأل أهلها وأكثر، فتعجب من كرمه ونبل أخلاقه، ومن أنه قد قضى حاجته ولم يعلمه بها لئلا يظن أنه اعتد بها عليه.

أخبرني أبو القاسم الأزهرى حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز حدّثنا محمّد بن خلف بن المرزبان حدّثنا أبو يعقوب النّخعيّ حدّثنا على بن زيد- كاتب العبّاس بن المأمون- حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي حدّثني أبي. قال: حج الرّشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكيّ، قال: وكنت معهم، فلما صرنا إلى مدينة الرسول قال لي جعفر بن يحيى: أحب أن تنظر لي جارية، ولا تبقى غاية في حذاقتها بالغناء والضرب، والكمال في الظرف والأدب، وجنبني قولهم صفراء، قال فوضعتها على يد من يعرف، قال فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه فرأيت رسوم النعمة، وأخرجها فلم أر أجمل منها، ولا أصبح ولا آدب، قال ثم تغنت إلى أصواتا وأجادتها، قال فقلت لصاحبها: قل ما شئت، قال أقول لك قولا لا أنقص منه درهما، قال قلت قل، قال أربعين ألف دينار، قال قلت قد أخذتها واشترطت نظرة، قال ذاك لك، قال فأتيت جعفر بن يحيى فقلت قد أصبت حاجتك على غاية الكمال، والظرف والأدب والجمال، ونقاء اللون، وجودة الضرب والغناء، وقد اشترطت نظرة، فاحمل المال ومر بنا، قال فحملنا المال على حمالين وجاء جعفر مستخفيا فدخلنا على الرجل فأخرجها، فلما رآها جعفر عجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنته فازداد بها عجبا، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>