أخبرني أبو القاسم الأزهري، حدّثنا محمّد بن جعفر الأديب، حدّثنا أبو القاسم السكوني- إملاء- حدّثنا الحسين بن مكرم، حدّثنا محمّد بن يزيد الثمالي قال: مات أبو العتاهية، وعباس بن الأحنف، وإبراهيم الموصلي في يوم واحد، فرفع خبرهم إلى الرّشيد، فأمر المأمون بحضورهم والصلاة عليهم، فوافى المأمون وقد صفوا له في موضع الجنائز، فقال: من قدمتم؟ فقالوا إبراهيم، قال: أخروه وقدموا عباسا، قال فلما فرغ من الصّلاة اعترضه بعض الطاهرية فقال له: أيها الأمير بم قدمت عباسا؟ فقال يا فضولي بقوله:
سماك لي قوم وقالوا إنها … هي التي تشقى بها وتكابد
فجحدتهم ليكون غيرك ظنهم … إني ليعجبني المحب الجاحد
قلت: في هذا الخبر نظر، لأن وفاة العبّاس كانت بالبصرة، واختلف في الوقت الذي مات فيه.
أخبرنا محمّد بن الحسين بن أبي سليمان وعليّ بن أبي عليّ المعدلان قالا: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرّحمن الزّهريّ، حدّثنا محمّد بن القاسم الشطوي، حدّثنا أحمد ابن عبيد قال: سمعت الأصمعي يقول: بينا أنا ذات يوم قاعد في مجلس بالبصرة، فإذا أنا بغلام أحسن الناس وجهها وثوبا واقف على رأسي، فقال: إن مولاي يريد أن يوصي إليك، فقمت معه، فأخذ بيدي حتى أخرجني إلى الصحراء، فإذا أنا بعباس بن الأحنف ملقي على فراشه، وإذا هو يجود بنفسه وهو يقول:
يا بعيد الدار من وطنه … مفردا يبكي على شجنه
كلما شد النجاء به … دارك الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه، فانتبه بصوت طائر على شجرة وهو يقول:
ولقد زاد الفؤاد شجى … هاتف يبكي على فننه
شاقه ما شاقني فبكى … كلنا يبكي على سكنه
ثم أغمي عليه، فظننتها مثل الأولى، فحركته فإذا هو ميت.