وأخبرنا القاضي أبو الطّيّب طاهر بن عبد الله الطبري، حدّثنا المعافى بن زكريا الجريري- واللفظ للمازني- قالا: أخبرنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حدثني أبي، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد، حدّثنا عبد الله بن الربيع، حدثني صاحب لنا قال: قال هارون الرّشيد في الليل بيتا ورام أن يشفعه بآخر فامتنع القول عليه، فقال علىّ بالعباس بن الأحنف الشّاعر، فلما طرق ذعر وفزع أهله، فلما وقف بين يدي الرّشيد، قال له: وجهت إليك لبيت قلته ورمت أن أشفعه بمثله، فامتنع القول علىّ.
فقال: يا أمير المؤمنين دعني حتى ترجع إلى نفسي فإني قد تركت عيالي على حال من القلق عظيمة، ونالني من الخوف ما يتجاوز الحد والوصف، فانتظره هنية ثم أنشده البيت:
جنان قد رأيناها … ولم نر مثلها بشرا
فقال العبّاس بن الأحنف:
يزيدك وجهها حسنا … إذا ما زدته نظرا
فقال له الرّشيد زدني، فقال:
إذا ما الليل مال علي … ك بالإظلام واعتكرا
ودجّ فلم ترى قمرا … فأبرزها ترى قمرا
فقال له الرّشيد: قد زعرناك وأفزعنا عيالك، فأقل الواجب أن نعطيك ديتك. وأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه.
أخبرني عليّ بن أيّوب قال: أنشدنا أبو عبيد الله المرزباني عن محمّد بن يحيى الصولي للعباس بن الأحنف:
برغمي أطيل الصد عنك وأبتلي … بهجرك قلبا لم يزل فيك متعبا
وما أنا في صدي بأول ذي هوى … رأى بعض ما لا يشتهي فتجنبا
تجنب يرتاد السلو فلم يجد … له عنك في الأرض العريضة مذهبا
فصار إلى أن راجع الوصل صاغرا … وعاد إلى ما تشتهين وأعتبا
أخبرني عليّ بن أيّوب، أخبرنا المرزباني، حدثني عليّ بن هارون، أخبرني أبي قال: من بارع شعر العبّاس بن الأحنف قوله:
قد رق أعدائي لما حل بي … فليت أحبابي كأعدائي
أملت بالهجران لي راحة … من جمرات بين أحشائي
فازداد جهدي وبلائي بها … أنا الذي استشفيت بالداء