وقعت حاجتك، قال: فاخرج إليه الثوب فأعجبه فقال: يا أبا حنيفة كم أزن للغلام؟
قال: درهما، قال يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ؟ قال: ما هزأت إني اشتريت ثوبين بعشرين دينارا ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين دينارا وبقي هذا بدرهم وما كنت لا ربح على صديق.
أخبرنا الحسين بن علي الحنيفي، حدّثنا علي بن الحسن الرّازيّ، حدّثنا محمّد بن الحسين الزّعفرانيّ، حدّثنا أحمد بن زهير، أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال: قال مساور الورّاق:
كنا من الدين قبل اليوم في سعة … حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس
قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم … فاستعملوا الرأي عند الفقر والبوس
أما الغريب فأمسوا لا عطاء لهم … وفي الموالي علامات المفاليس
فلقيه أبو حنيفة فقال: هجوتنا، نحن نرضيك، فبعث إليه بدراهم فقال:
إذا ما أهل مصر بادهونا … بداهية من الفتيا لطيفه
أتيناهم بمقياس صحيح … صليب من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقيه به حواه … وأثبته بحبر في صحيفة
أخبرني علي بن أحمد الرّزّاز، حدّثنا أبو اللّيث نصر بن محمّد الزّاهد البخاريّ- قدم علينا- حدّثنا محمّد بن محمّد بن سهل النّيسابوريّ، حدّثنا أبو أحمد محمّد بن أحمد الشعيبي، حدّثنا أسد بن نوح، حدّثنا محمّد بن عباد قال: حدّثنا القاسم بن غسان، أخبرني أبي قال: أخبرني عبد الله بن رجاء الغداني قال: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحما فطبخه، أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأى فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه فقيل أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته واستأذن على الأمير. قال الأمير: ائذنوا له واقبلوا به راكبا ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع له من مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جار