مرّاكش وأنكر كعادته، فأشار مالك بن وهيب الفقيه على عليّ بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدَّا للذريعة، وخوفاً من الغائلة. وكانوا بمسجد داثر بظاهر مرّاكش. فأحضرهم وعقد لهم مجلساً حافلاً، فواجهه ابن تومرت بالحقِّ المحض ولم يجابه، ووبّخه ببيع الخمر جهاراً وبمشي الخنازير التي للفرنج بين أظهر المسلمين، وبنحو ذلك من الذنوب. وخاطبه بكيفيّة ووعظ. فذرفت عينا الملك وأطرق، فقويت التهمة عند ابن وهيب وأشباهه من العقلاء وفهموا مرام ابن تومرت. فقيل للملك: إن لم تسجنهم وتنفق عليهم كل يوم دينار وإلا أنفقت عليهم خزانتك. فهوّن الوزير أمرهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. فصرفه الملك وطلب منه الدعاء واشتهر اسمه وتطالعت النفوس إليه.
وسار إلى أغمات، وانقطع بجبل اتينملّ، وتسارع إليه أهل الجبل يتبرّكون به. فأخذ يستميل الشباب الأعتام والجهلة الشجعان، ويلقي إليهم ما في نفسه، وطالت المدّة، وأصحابه يكثرون وهو يأخذهم بالديانة والتقوى ويحضهم على الجهاد وبذل النفوس في الحق. وورد أنه كان حاذقاً في ضرب الرمل، قد وقع بجفرٍ فيما قيل واتفق لعبد المؤمن أنّه كان قد رأى أنّه يأكل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطفت الصحفة منه فقال له المعبر هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الأمر.
وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها. وكان أهل المغرب على طريقة السلف ينافرون الكلام وأهله.
ولما كثرت أصحابه أخذ يذكر المهدي ويشوِّق إليه، ويروي الأحاديث التي وردت فيه. فتلهّفوا على لقائه. ثم روّى ظمأهم وقال: أنا هو. وساق لهم نسباً ادّعاه، وصرّح بالعصمة. وكان عل طريقةٍ مثلى لا ينكر معها العصمة. فبادروا