وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا الناس، فسمعت وئيد الأرض ورائي، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مِجَنَّة. قالت: فجلست إِلى الأرض، فمرَّ سعد وعليه دِرْعٌ من حديث قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد. قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، فمرّ وهو يرتجز ويقول:
لبّثْ قليلاً يدرك الهيجا جَمَلْ
ما يحسن الموت إذا حان الأجلْ
قالت: فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا نفر من المسلمين، فإذا فيها عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سَبْغة له - تعني المِغْفر - فقال عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو تَحوُّز، فما زال يلومني حتى تمنّيت أن الأرض فتحت ساعتئذٍ فدخلت فيها. فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا هو طلحة بن عبيد الله: فقال: يا عمر، ويحكم إنك قد أكثرتَ منذ اليوم، وأين التحوّز أو الفرار إلا إلى الله عزّ وجلّ. قالت: ويرمي سعداً رجل من قريش يقال له ابن العَرِقة وقال: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكْحَلة فقطعه؛ فدعا الله سعدٌ فقال: اللَّهمَّ لا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة. قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. قالت: فرقأ كَلْمة، وبعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً.
فلحق أبو سفيان ومن معه بتِهامة، ولحق عُيَينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصّنوا في صاصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة، وأمر بقبة من أدَم فضُربت على سعد في المسجد. قالت: فجاء جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لَنَقْعُ الغبار فقال: (أقد وضعتَ السلاح؟