المنجنيق؛ فكان يرمي به ابن الزبير ومن معه - رضي الله عنهم - في المسجد.
فلما كان الغداة - التي قُتل فيها ابن لزبير - دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -، وهي يومئذٍ إبنة مائة سنة لم يسقط لها سن ولم يفقد لها بصر - فقالت لابنها: - يا عبد الله ما فعلت في حربك؟ قال: بلغوا مكان كذا وكذا. وضحك ابن الزبير رضي الله عنهما فقال: إِن في الموت لراحة. قالت: يا بني لعلَّك تتمنّاه لي؟ ما أحبّ أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك، إمّا أن تملك فتَقَرّ بذلك عيني، وإما أن تقتل فأحتسبَك. قال: ثم ودَّعها، قالت له: يا بني إياك أن تُعطي خصلة من دينك مخافة القتل.
وخرج عنها ودخل المسجد، وقد جعل مصراعين على الحجر الأسود يتقي بهما أن يصيبه المنجنيق، وأتى ابن لزبير رضي الله عنهما آتٍ وهو جالس عند الحجر الأسود، فقال (له) : ألا نفتح لك باب الكعبة فتصعد فيها؟ فنظر إليه عبد الله ثم قال له: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه - يعني أجله -، وهل للكعبة حرمة ليست لهذا المكان؟ والله لو وجدوكم متعلِّقين بأسْتار الكعبة لقتلوكم. فقيل له: ألا تكلِّمهم في الصلح؟ قال: أَوَحين صُلْحٍ هذا؟ والله لو وجدوكم فيه لذبحوكم جميعاً، وأنشد يقول:
ولستُ بمبتاعِ الحياةِ بسُبَّةٍ
ولا مُرْتَقٍ مِنْ خشية الموت سُلّما
أنافس سهماً إنه غير بارحٍ
ملاقي المنايا أيَّ حرف تيمَّما
ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ويقول: ليُكِنَّ أحدكم سيفه كما يُكِنُّ وجهه، لا ينكسر (سيفه) فيدفع عن نفسه بيده كأنه إمرأة، والله ما لقيت زحفاً قط إِلا في الرعيل الأول، ولا أَلِمتُ جرحاً قط إلا أنْ آلم الدواء. قال: فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم (قوم) من باب بني جُمَح فيهم أسْوَد. قال: من هؤلاء؟ قيل: أهل حمص، فحمل عليهم ومعه سيفان، فأول من لقيه الأسود، فضربه بسيفه حتى أطنّ رجله، فقال له الأسود: أخْ يا ابن الزانية؟ فقال له ابن الزبير رضي الله