واختلف العلماء في إقامتها في البيْت؛ والأصح: أنها كإقامتها في المسْجد. وفي " شرح خواهر زاده ": هي سُنَة مؤكدة غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية، وهو اختيار الطحاوي والكرخي وغيرهما، وهو قول الشافعي المختار، وقيل: سُنَة. وفي "الجواهر": عن مالك: سُنَّة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية. والجواب عن الحديث من وجوه، الأول: أن هذا في المنافقين، ويَشْهد له ما جاء في " الصحيح": "لو يَعْلم أحدكم أنه يجدُ عظما سميناً أو مَرْمَاتَين حسَنَتَيْن لشهد العشاء " وهذه ليست صفة المؤمن، لا سيما أكابر المؤمنين وهم الصحابة، وإذا كان في المنافقين كان التحريق للنفاق لا لترك الجماعة فلا يتم الدليل، والثاني: أنه- عليه السلام- هَمّ ولم يَفْعل، والثالث: أنه- علية السلامِ- لم يخبرهم أن من تخلّف عن الجماعة، فصلاته غير مجزئة، وهو موْضع البيان.
وفي هذا الحديث: دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال، لأن تحريق البيوت عقوبة مالية. وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة، واختلف السلف فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما. ثم إنه جاء في رواية: أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء. وفي رواية: إنها الجمعة، وفي رواية: إنهم يتخلفون عن الصلاة مطلقاً وكله صحيح، ولا منافاة بَين ذلك. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
٥٣١- ص- نا النفيلي: نا أبو المليح: حدَّثني يزيد بن يزيد: حدَّثني يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله: " لقد هَممت أن آمُرَ فِتْيَتِي فيَجْمعُوا حُزما من حَطب، ثم آتِي قوماً يُصفُون في بُيُوتِهم ليْست بهم علَّةٌ، فأحرِّقَها عَليهم ". قلًتُ ليزيدَ بنِ الأصم: يا أبا عوفٍ: الجمعةَ عَنى أَو غيرَها؟ فقال: صامتا أذُنَايَ إن لم كنْ سمعتُ أبا هُريرةَ وأثره عن رسولِ اللهِ، ما ذَكَر جُمُعَةً ولا غيرها (١) .
ــ
(١) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان-