فإن قيل: قال الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ ": حديث التغليس
ثابت وإنه- عليه السلام- داوَم عليه إلى أن فارق الدنيا، ولم يكن- عليه
السلام- يُداوم إلا على ما هو الأفضل، ثم روى حديث ابن مسعود أنه
- عليه السلام- صلى الصبح بغلسٍ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها،
ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات- عليه السلام- لم يَعُد إلى
أن يُسفِر. رواه أبو داود، وابن حبان في " صحيحه " - كلاهما- من
حديث أسامة بن زيد الليثي.
فلتُ: يَردُ هذا: ما أخرجه البخاريّ، ومسلم، عن عبد الرحمن بن
يزيد، عن ابن مسعود قال: ما رأيتُ رسول الله- عليه السلام- صلى
صلاةً لغير وقتها إلا بجَمع، فإنه يَجمعُ بين المغرب والعشاء بَجمع،
وصلى صلاةَ الصُبح من الغد قبل وقتها. انتهى، قالت العلماء: يعني:
وقتها المُعتاد في كل يوم، لا أنه صلاّها قبل الفجر، وإنما غلس بها جدا،
ويوضحه رواية البخاري: " والفجر حين نزع "؛ وهذا دليل على أنه
- عليه السلام- كان يُسفر بالفجر دائمًا، وقلما صلاّها بغلس. وبه
استدلّ الشيخ في " الإمام " لأصحابنا؛ على أن أسامة بن زَيد قد تكلم
فيه؛ فقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ
به، وقال النسائي، والدارقًطني: ليس بالقوي. فثبت بهذا أن زعم
الطحاوي صحيح، وأن رَد الحَازميِّ كلامَ الطحاويِّ مَردود والحق أحق أن
يتبع؛ وهذه التأويلاتُ البعيدة والدوران البعيدُ كلها من آثارِ التعصب من
المتأخرين.
***
٨- بَاب في المحافَظة على الوَقت (١)
أي: هذا باب في بيان المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.
٤٠٩- ص- ثنا عَمرو بن عَون: فنا خالد، عن داود بن أبي هند، عن
أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن فضالة، عن أبيه قال: علَمنِي
(١) في سنن أبي داود: ".. على وقت الصلوات ".