[كتاب السنن وأقوال الأئمة فيه]
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف
في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس وطبقات الفقهاء على
اختلاف مذاهبهم وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار
الأرض، فكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوها،
فيجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ
وأدباً، فأما السنن المحضة، فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها على حسب ما
اتفق لأبي داود، كذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل
العجب، فضربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل. قال ابن الأعرابي: لو
أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف، ثم كتاب أبي داود لم يحتج
معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، فقد
جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما
لم يعلم متقدماً سبقه إليه ولا متأخراً لحقه فيه. قال النووي في القطعة التي كتبها
من شرح سنن أبي داود: ينبغي للمشاغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود
بمعرفته التامة، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله
وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه. وقال إبراهيم الحربي: لما صنف
أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد. أنشد
الحافظ أبو طاهر السلفي رحمه الله تعالى نظم:
لان الحديث وعلمه بكماله ... لإمام أهْليه أبي داودُ
مثْلُ الذي لان الحديد وسبْكه ... لنبي أهل زمانه داودُ
وله في مدحه نظم:
أولى كتاب لذي فقْه وذي نظرٍ ... ومن يكون من الأوزار في وزر
ما قدْ تولى أبو داود محْتسباً ... تأليفه فأتى كالضوء في القمر