لا يستطيعُ عليه الطعن مبتدع ... ولو تقطع من ضغن ومن ضجر
فليس يوجدُ في الدُنيا أصحُ ... ولا أقْوى من السنة الغراء والأثر
وكل ما فيه من قول النبي ... ومن قول الصحابة أهلُ العلم والبصر
يرويه عن ثقة عن مثله ثقة ... عن مثله ثقة كالأنجُم الزهر
وكان في نفسه فيما أحق ... ولا أشك فيه إماماً عالي الخطر
يدري الصحيح من الآثار يحفظُهُ ... ومن روى ذاك من أنثى ومن ذكر
محققا صادقاً فيما يجيء به قد شاع ... في البدو عنه ذا وفي الحضر
والصدقُ للمرء في الداريْن ... منقبة ما فوقها أبداً فخرٌ لمفتخر
وحكى أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ: إن شرط أبي داود
والنسائي أحاديث أقوام لم يجتمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من
غير قطع ولا إرسال. وقال الخطابي: كتاب أبي داود جامع لنوعي الصحيح
والحسن. وأما السقيم فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول،
وكتاب أبي داود خلا منها برئ من جملة وجهها.
ويحكى عنه أنه قال: ما ذكرت في كتابي حديثاً اجتمع الناس على تركه.
وقال في رسالته إلى أهل مكة المكرمة: إنكم سألتموني أن أذكر لكم الأحاديث
التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب وقفت على جميع ما ذكرتم،
فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين، أحدهما أقوى إسناداً
والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربما كتبت ذلك وإذا عدت الحديث في الباب
من وجهين أو ثلاثة مع زيادة كلام فيه، وربما فيه كلمة زائدة على الحديث
الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه
فاختصرته لذلك.
أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك
والأوزاعي حتى جاء الشافعي، فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل
وغيره، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل ولم يوجد المرسل يحتج به وليس هو مثل
المتصل في القوة، وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث
شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر وليس على نحوه في الباب غيره،