للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يؤدي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قوَد عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أم يكون هدراً؟ فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك.

قال ابن شعبان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر، ذكره ابن التين. قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده؛ إنما يدافعه ويرده من مَوقفه، لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما يَناله من موقفه، وإنما يرده إذا كان بعيداً منه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مروراً ثانياً، وقد رُوِيَ عن البَعض أنه يَردُه، واختلفوا إذا جاز بين يَديه وأدركه هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يردهُ، ورُوِيَ ذلك عن سالم، والحسن. وقال أشهب: يرده بإشارة ولا يمشي إليه، لأن مشيه أشد من مروره، فإن مشى إليه ورده لم تفسد صلاته. وقال بعضهم: معنى فليُقاتله: فليلعنه. قال تعالى: " قتِلَ الخَراصُونَ " (١) أي: لعنوا، وأنكره بعضهم.

قوله: " فإنما هو شيطان " قال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه: الحامل له على ذلك شيطان، يؤيده حديث ابن عمر من عند مسلم: " لا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليُقاتله فإن معه القرين "، وعند ابن ماجه: " فإن معه القرين ". وفي " الأوسط ": " فرُدَه فإن عاد فرده، فإن عاد الرابعة فقاتله، فإنما هو الشيطان ". وقيل: فعل الشيطان لشغل قلب المصلي كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه.

قلت: الشيطان اسم لكل متمرد، قال في " الصحاح ": كل عات متمرد من الإنْس والجن والدواب فهو شيطان، فعلى هذا يحمل الكلام على ظاهره، أو يكون هذا من باب التشبيه البليغ، نحو: زيد أسد، شبه ا"ر بين يديه بالشيطان لاشتراكهما في شغل قلب المصلي والتشْويش عليه.


(١) سورة الذاريات: (١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>