للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: ما وجه تخصيص السمع والبصر من بين الحواس،

وتخصيص المخ والعظم والعصب من بين سائر أجزاء البدن؟ قلت: أما تخصيص السمع والبصر فلأنهما أعظم الحواس، وكثرها فعلاً، وأقواها

عملاً، وأمسها حاجة، ولأن كثر الآفات للمصلي بهما فإذا خشعت قَلَّت الوساوس الشيطانية، وأما تخصيص المخ والعظم والعصب فلأن ما في

أقصى قعر البدن المخ، ثم العظم، ثم العصب، لأن المخ يمسكه العظم،

والعظم يمسكه العصب، وسائر أجزاء البدن مركبة عليها، فهذه عمد بنية

الحيوان وأطنابها، وأيضا العصب خزانة الأرواح النفسانية واللحم والشحم

غاد ورائح، فإذا حصل الانقياد والطاعة من هذه فمما الذي يتركب عليها

بالطًريق الأولى.

فإن قلت: ما معنى انقياد هذه الأشياء؟ قلت: أما انقياد السمع،

فالمراد به قبول سماع الحق، والإعراض عن سماع الباطل، وأما انقياد

البصر فالمراد / به صرف نظره إلى كل ما ليس فيه حرمة، والاعتبار به في [١/٢٥٣-أ] المشاهدات العلوية والسفلية، وأما انقياد المخ، والعظم، والعصب،

فالمراد به انقياد باطنه كانقياد ظاهره، لأن الباطن إذا لم يوافق الظاهر لا

يكون انقياد الظاهر مفيدا معتبرا، وانقياد الباطن عبارة عن تصفيته عن دنس

الشرك والنفاق، وتزيينه بالإخلاص والعلم والحكمة، وترك الغل والغش

والحقد والحسد والظنون والأوهام الفاسدة، ونحو ذلك من الأشياء التي

تخبث الباطن، وانقياد الظاهر عبارة عن استعمال الجوارح بالعبادات،

كل جارحة بما يخصها من العبادة التي وضعت لها.

فإن قلت: ما وجه ارتباط قوله: " خشع لك سمعي " بما قبله؟ وما

وجه ترك العاطف بين الجملتين؟ قلت: كأن هذا وقع بيانا لقوله: "ولك أسلمت "، ولذلك ترك العاطف، لأن معنى: " لك أسلمت ": انقدت وأطعت، ومعنى " خشع سمعي " إلى آخره: الانقياد والإطاعة كما

قررناه، فكأنه- عليه السلام- بريق نوعي الانقياد والإطاعة بقوله:

" خشع سمعي" إلى آخره. بعد الإجمال. فقوله: " خشع سمعي

<<  <  ج: ص:  >  >>