يحصل بإخبار، أو سماع عن قرب، وليس في الحديث شيء منهما، ورواية من روى:" فكانوا يسرون " كأنها مروية بالمعنى من لفظ: " لا يجهرون "، وأيضا فحمل الافتتاح ب (الحمدُ لله رَب العَالَمينَ) على السورة لا الآية مما تستبعده القريحة، وتمجه الأفهامَ الصحيحةَ، لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه العام والخاص، كما يعلمون أن الفجر ركعتان، وأن الظهر أربع، وأن الركوع قبل السجود، والتشهد بعد الجلوس إلى غير ذلك، فليس في نقل مثل هذا فائدة، فكيف يجوز أن نظن أن أنسأ قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه؟ وإنما مثل هذا مثل من يقول: فكانوا يركعون قبل السجود، أو فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاة الظهر والعصر، وأيضا فلو أريد الافتتاح بالسورة لقيل: كانوا يفتتحون القراءة بأم القرآن، أو بفاتحة الكتاب، أو سورة الحمد، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، وأما تسميتها (الحمدُ لله رَب العَالمينَ) فلم ينقل عن النبي- عليه السلام- ولا عن الصحابة وَالتابعين، ولا عن أحد يحتج بقوله، وأما تسميتها بالحمد فقط فعُرْف متأخر، يقولون: فلان قرأ الحمد، وأين هذا من قوله:" فكانوا يفتتحون القراءة ب (الحمدُ للهِ رَب العَالمينَ) ؟ فإن هذا لا يجوز أن يراد به السورة إلا بدليل صحيح.
فإن قيل: فقد روى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس الاستفتاح بأم القرآن، وهذا يدل على إرادة السورة. قلنا: هذا مروي بالمعنى، والصحيح عن الأوزاعي ما رواه مسلم عن الوليد بن مسلم،- عنه، عن قتادة، عن أنس، قال (١) : " صليتُ خلف أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يستفتحون ب (الحمدُ لله رب العَالمينَ) ، لا يذكرون (بسم الله الرحمنِ الرحيم) في أول قرَاءة، ولا في آخرها ".