قلت: قد ذكرت في كتابي "التاريخ البدري" أن زياد بن أبي سفيان، ويقال له: زياد ابن أبيه، وزياد ابن سمية وهي أمه، مات في رمضان سنة ثلاث وخمسين، وكان كتب إلى معاوية يقول له: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضا، فلما بلغ أهل الحجاز جاءوا إلى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي عليهم زياد فيعسفَهم كما عسفَ أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة، فدعا عَلى زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق في يده، فضاق ذرعا بذلك، واستشار شريحَا القاضي في قطع يده، فقال له شريح: إني لا أرى لك ذلك، فإن لم يكن في الأجل فسحة لقيت الله أجذم، قد قطعت يدك
خوفا من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيغترَ ولدُك بذلك، فصرفه ذلك. فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس، وقالوا: هلا تركته يقطع يده؟ فقال: قال رسول الله: " المستشار مؤتمن" ويقال: إن زياد جعل يقول: أأنَامُ أنا والطاعون في فراش واحد؟ فعزم على قطع يده، فلما جيئ بالمكاوي والحديد، خاف من ذلك فترك ذلك،
ويذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبَا ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم، فمات في ثالث شهر رمضان من سنة ثلاث وخمسين، وقد أقام في إمرة العراق خمس سنين ودفن بالنوبة خارج الكوفة، وكان قد برز منها خارجَا إلى الحجار أميرَا عليها، فلم بلغ خبرُ موته عبد الله بن عمر قال: أذهب إليك يا ابن سمية؟ فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت. وكان مولده عام الهجرة، وكان استلحاق معاوية زيادا في مدة أربع وأربعين، وذلك أن رجلا شهد على إقرار أبي سفيان أنه عاهر بسمية أم زياد في الجاهلية، فإنها حملت بزياد هذا منه، فاستلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان،/ [. . .] ، (١) قيل له: زياد بن أبي سفيان، وقد قيل: إن سمية كانت [٢/ ١٣ -أ]