للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوضعه، وقال الشافعي: لزمه البناء على اليقين؛ وهو الأقل، فيأتي بما بقي ويسجد للسهو؛ واحتج بقوله- عليه السلام- في حديث أبي سعيد: "فليطرح الشك، وليَبْن على ما استَيْقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان " (١) . وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين، وحَمْلُ التحري (٢) في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين؛ لأن التحري هو القَصد، ومنه قوله تعالى: "تَحَروا رَشَد " (٣) فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعملُ به، وقصدُ الصواب: هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره.

قلنا: حديث أبي سعيد محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحركه على شيء، وعندنا: إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء يَبْني على الأقل؛ ولأنه حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا، لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يَبْني على الأقل بالإجماع. وقول الشيخ محيي الدين في دفع هذا (٤) "أن تفسير الشك بمُستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين، وأما في اللغة: فالترددُ بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سوى المستوي والراجح والمراوح. والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح " غير مُجْد ولا دافع؛ لأن المراد الحقيقة العرفية؛ وهي أن الشك: ما استوى طرفاَه؛ ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي، فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره؛ لأن صاحب "الصحاح" فستر الشك في باب الكاف فقال: الشك خلاف اليقين، ثم فسر اليقين في باب النون فقال: اليقين: العلم، فيكون الشك ضد العلم، وضع العلم: الجهل، ولا يُسَمى


(١) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(٢) في شرح صحيحا مسلم: "وحملوا ".
(٣) سورة الجن: (١٤) .
(٤) شرح صحيح مسلم (٦٣/٥-٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>