النافلة لإخفائها، وللحديث الآخر:" أفضل الصلاة: صلاة المرء في بيْته إلا المكتوبة ".
قلت: فعلى التقدير الأحول تكون "مِنْ" في قوله: "اجعلوا من صلاتكم " زائدةً؛ ويكون التقدير: اجعلوا صلاتكم في بيوتكم ويكون المراد منها النوافل، وعلى التقدير الثاني تكون " مِن " للتبعيض، والمعنى: اجعلوا بعض صلاتكم المكتوبة في بيوتكم. والأحسنُ عندي: أن تكون "من" للتبعيض مطلقا ويكون المراد من الصلاة مطلق الصلاة، ويكون المعنى: اجعلوا بعض صلاتكم وهو النفل من الصلاة المطلقة في بيوتكم، والصلاة المطلقة تشتمل النفل والفرض، على أن الأصح منع مجيء " مِنْ " زائدةً في الكلام المثْبت، ولا يجوز حمل الكلام على الفريضة لا كلها [٢/٦٩ - أ] ولا بعضها،/ لأن الحث على النفل في البيت، وذلك لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحيطات وليتبرك البيْت بذلك، وتنزل الرحمة فيه والملائكة، وينفر الشيطان منه.
وقوله:" ولا تتخذوها قبورا " من التشبيه البليغ البديع بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البَيْت الذي لا يُصلَّى فيه بالقبر الذي لا يُمكَنُ الميّت فيه من العبادة. وقد أول جماعة هذا الحديث على منع الصلاة في المقابر، ونسَب السفاقسي هذا التأويل إلى البخاري. وهذا تأويل بعيدة والصحيح ما ذكرناه. وقد روي عن جماعة أنهم كانوا لا يتطوعون في المسجد، منهم: حذيفة، والسائب بن يزيد، والربيع بن خثيم، وسويد بن غفلة. ومن هذا أخذ علماؤنا: أن الأفضل في غير الفرائض: المنزلُ. وقد روى الترمذي، عن زيد بن ثابت، عن النبي- عليه السلام- قال:"أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة". وحديث ابن عمر: أخر له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وروى الطبري من حديث عبد الرحمن بن سابط، عن أبيه يَرْفعه:"نوْروا بيوتكم بذكر الله، وكثروا فيها تلاوة القرآن، ولا تتخذوها قبورا كما اتخذها اليهود والنصارى".