فليس لأحد أن يصليهما بعد العَصْر، ولا أن يتطوع بعد العصر- أيضاً- وهذا هو النظر- أيضاً- وذلك أن الركعتين بعد الظهر ليْستا فرضا، فإذا تُرِكتَا حتى تُصلَى بعد صلاة العصر، فإن صُلنا بعد ذلك فإنما تطوعَّ بهما مُصَليهما في غير وقت تطوعَّ، فلذلك نُهينا أن نصلي بعد العصر تطوعا، وجعلنا هاتين الركعتين وغيرهما من سائر التطوع في ذلك سواء.
وبهذا التقرير بطل كلام الشيخ محيي الدين في شرح الحديث المذكور:
" الأصل: الاقتداء به- عليه السلام- وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به "، ولا دليل أعظم من هذا، ولا أصْرَحُ ولا أقْطَع للنزاع. وقولُ البيهقي:" أن هذه رواية ضعيفة " ليْس بصحيح , فإن حماد بن سلمة لا يُسأل عنه لجلالته، والأزرق وثَّقه غيرُ واحد، وخرج البخاري حديثه محتجاً به، وذكوان وثقه غيرُ واحد وصحّحوا حديثه. وهنا شيء آخرُ يلزمهم: وهو حانه- عليه السلام- كان يداوم عليها، وهم لا يقولون به في الصحيح الأشْهر، فإن عُورِضوا يقولون: هذا من خصائص رسول الله، ثم في الاستدلال بالحديث يقولون: الأصل: عدم التخصيص. وهذا كما يُقال: فلان مثل الظليم يَسْتجملُ عنْد الاسْتطارة ويَسْتطيرُ عنْد الاستحمال.
ويستفاد من الحديث فوائد أخرى، الأولى: يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مُهم، ويعلم أن غيره أعلم وأعرف بأصْله أن يرشد إليه إذا أمكنه.
الثانية: الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم.
الثالثة: من أدب الرسول أن لا يستقل بتصرف شيء لم يؤذن له فيه
فإن كريباً لم يستقل بالذهاب إلى أم كلمة حتى رجع إليهم.
الرابعة: قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على التبين، بالسماع من لفظ رسول الله- عليه السلام-.
الخامسة: لا بأس لإنسان أن يذكر نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها.