قوله: " هو الطهور ماؤه " " هو " مبتدأ، و " الطهور " مبتدأ ثان، و " ماؤه"
خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول.
ويجوز أن يكون ارتفاع " ماؤه " بإسناد " الطهُور " إليه، ويكون الفاعل
مع فعله خبراً للمبتدأ؛ لأن الطّهور اسم بمعنى المطهّر، واسم الفاعل
يعمل عمل فعله كما عرف في موضعه، وهذا التركيب فيه القصر؛ لأن
المبتدأ والخبر وقعا معرفتين، وهو من جملة طرق القصر، وهو من قبيل
قصر الصفة على الموصوف؛ لأنه قصر الطهورية على ماء البحر، وقصر
الصفة على الموصوف أن لا تجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف
آخر، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر، وهذا قصر
ادعائي، وهو يكون فيما إذا قصد به المبالغة لعدم الاعتداد بغيره؛ لأنه لا
يجوز أن يكون قصراً حقيقيا؛ لأن الطهورية ليست بمقصورة على ماء البحر
فقط، ولكن النبي- عليه السلام- لشدة اعتنائه ببيان طهورية ماء البحر
قصرها عليه مبالغة " وادعاء، وهذا من قبيل القصر القلب؛ لأن السائل كان
في اعتقاده أن التوضأ بماء البحر غير جائز، فأثبته- عليه السلام- بعكس
ما في قلبه، ويجوز أن يكون قصر تعيين؛ لأنه كان يتردد بين جواز
الوضوء به، وبن عدمه من غير علم بالتعيين، فعينه- عليه السلام-
بقوله: " هو الطهور ماؤه "، وهذا أولى من الأول، فافهم.
قوله: " الحل ميتته " التقدير: هو الحل ميتته، والكلام فيه مثل الكلام
في " هو الطهور ماؤه "، والحل- بكسر الحاء- بمعنى الحلال ضد
الحرام، من حلّ يحلُّ من باب ضرب يضرب ويقال: رجل حلال وحل
وحرام وحرم، و " الميتة " بفتح الميم، وعوام الرواة يكسرون الميم وهو
خطأ، ولما كان بين الجملتين اتصالاً ومماسه في الحكم فصل بينهما ولم
يوصل بالعاطف، لئلا يُشعر إلى المغايرة.
واحتج مالك والشافعي وأحمد بهذا الحديث على أن جميع ما في البحر
حلال إلا الضفدع في رواية عن أحمد وقول الشافعي، وعنهم: لا يحل
في البحر ما لا يحل مثله في البر. وقال أصحابنا: لا يؤكل من حيوان