لان اسم الرأس حقيقة في العضو كله، والفقهاء اختلفوا في القدر
الواجب من المسح، وليس في الحديث ما يدل على ذلك.
قوله: " ثم غسل قدمه اليمنى " أي: رجله اليمنى، وفيه رد صريح
على الروافض في قولهم: إن الواجب في الرجلين المسح.
وقوله: " ثلاثاً " يدل على أن المستحب غسل الرجلين ثلاثاً، رد القول
بعضهم أنهم لا يرون بهذا العدد في الرجل كما في غيرها من الأعضاء،
وهم يستدلون بما ورد في بعض الروايات: " فغسل رجليه حتى أنقاهما "
ولم يذكر عدداً، ولكن الأخذ بالرواية التي فيها العدد أوْلى لما فيها من
الزيادة
قوله: " ثم اليسرى مثل ذلك " أي: ثم غسل قدمه اليسرى مثل ذلك
ثلاث مرات، وهذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء، والأصل في
الواجب غسل الأعضاء مرة مرة، والزيادة عليها سُنّة؛ لان الأحاديث
الصحيحة وردت بالغسل ثلاثاً ثلاثاً، ومرة مرة، وبعض الأعضاء ثلاثا
ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، فالاختلاف على هذه الصفة دليل
الجواز في الكل، وأن الثلاث هي الكمال، والواحدة تجزئ، وعن هذا
قال أصحابنا: الأولى فرض، والثانية مستحبة، والثالثة سُنّة، ويقال:
كلاهما سُنة، ويقال: كلاهما مستحب، وأما ما اختلف الرواة فيه عن
الصحابي الواحد في القضية الواحدة، فذلك محمول على أن بعضهم
حفظ وبعضهم نسي، فيؤخذ بما زاده الثقة. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: استحباب غسل اليدين في ابتداء الوضوء قبل إدخالهما في
الإناء، سواء قام من النوم أو لا، يدل عليها قوله: " فأفرغ على يديه "،
وحديث المستيقظ لا يفيد الاستحباب إلا عند القيام من النوم.
الثانية: استحباب الإفراغ على اليدين معاً يدل عليها قوله: " على
يديه "، وقد تبين في حديث آخر أنه أفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم
غسلهما، وقوله: " غسلهما " قدر مشترك بين كونه غسلهما مجموعتين أو
متفرقتين، واختلف الفقهاء أيهما أفضل.