للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

( {أما السفينَةُ فَكَانَتْ لمَسَاكينَ يَعْمَلُونَ في البَحْرِ} (١) ، فأثبت لهم مع المسكنة ملكَا وكسبا وهَما: َ السفينة، والعمل بها في البحر، وقال بعض من ينصر القول الأول: إنما سماهم مساكين مجازاً على سبيل الترحم والشفقة عليهم، إذ كانوا مظلومين.

قلت: قال صاحب "الهداية": "والفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له، وهذا مروي عن أبي حنيفة، وقد قيل على العكس، وقالت الشراح: وهو قول الشافعي، ولكل وجه، والأول أصح، ووجهه قوله تعالى: {أوْ مسكينا ذا مَتْرَبَة} (٢) أي: لاصقة بالتراب من الجوع والعُري، ووجه الثانوي أن الفقير مًشتق من انكسار فقار الظهر، فيكون أسوأ حالا من المسكن، وقال الخطابي (٣) : وقيل: إن الفقير مشبه بمن أصيب فقاره فالنصف ظهره، من قولهم: "فقرت الرجل" إذا أصبت فقاره، كما تقول:" بطنته" إذا أصبت بطنه، و "رأسته " إذا أصبت رأسه، إلى ما أشبه ذلك من نظائر هذا الباب.

فإن قيل: فائدة هذا الخلاف تظهر في ماذا؟ قلت: يظهر ذلك في الوصايا والأوقاف، وأما في الزكاة فلا يظهر الخلاف فيها عندنا، فافهم. ثم اعلم أنه- عليه السلام- نفى المسكنة عن الذي ترده التمرة، أو التمرتان، الذي هو السائل الطواف لأنه بمسألته تأتيه الكفاية، وقد تأتيه زيادة عليها، فيسقط عنه اسم المسكنة، والحديث حجة قوية لما قال أبو حنيفة من أن المسكين من لاشيء له.

قوله: " وأكلة" الأكلة بضم الهمزة: اللقمة، والأكلتان: اللقمتان، والأكلة بفتح الهمزة هي الواحدة، والمرة من الأكل.

قوله:" ولا يفطنون به " أي: لا يعلمون بحاله، من فطن يفطن، من باب ضرب يضرب. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة.


(١) سورة الكهف: (٧٩) .
(٢) سورة البلد: (١٦) .
(٣) معالم السنن (٢/ ٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>