يقدمها إلى أن قربت من جسد آدم، فبزق نحو آدم بزقة، فانتثر بزاقه،
فخلق الله تعالى الكلاب من بزاقه المنثور ذلك، فحملت على الخيول
وصاحت إلى أن ولّت هاربة، فمن ذلك الوقت تألف الكلاب بني آدم،
والملائكة تبغضها، لكونها مخلوقة منه، فلأجل ذلك لا يدخلون بيتاً فيه
كلب.
وقال الخطابي (١) : " إنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما
يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد
والزرع والماشية والصور التي تمتهن من البساط والوسادة وغيرهما، فلا
يمتنع الملائكة بسببه ".
وقال الشيخ محيي الدين (٢) : " الأظهر أنه عام في كل كلب وكل
صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي
كان في بيت النبي- عليه السلام- تحت السرير كان له فيه عذر/ظاهر،
فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل- عليه السلام- من دخول
البيت، وعلل بالجرو، ولو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا
يمنعهم لم يمتنع جبريل- عليه السلام-. وأما هؤلاء الملائكة الذين لا
يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك
والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في
حال؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها ".
قوله: " ولا جنب " إنما يمتنع الملائكة عن البيت الذي فيه جنب لكونه
بعيداً عن التلاوة والعبادة، متصف بالنجاسة الحكمية، والملائكة يكرهون
ذلك، والمراد منه أيضاً: الملائكة غير الحفظة؛ لأن الحفظة لا يفارقون بني
آدم جنباً وغيره.
فإن قيل: قد مضى في الرواية: " أنه- عليه السلام- كان يغتسل تارة
آخر الليل "، ورخص للجنب أيضاً أن ينام قبل الاغتسال، فما
(١) معالم السنن (١/٦٥) .
(٢) شرح صحيح مسلم (١٤/٨٤) .