للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفت أن " مِن " لابتداء الغاية في المكان بالإجماع، وفي الزمان مختلف

فيه، والمعنى: قال لها النبي- عليه السلام- قولاً ابتداؤه من المسجد،

كما في قوده: (أسرَى بعَبده لَيلاً مَنَ المَسجدِ الحَرَام) (١) أي: أسراه

إسراءً ابتداؤه من المسجدَ الحرَاَم. وأما محلهَا فهو النصب على الحال،

والتقدير: قال لها قولاَ حال كونه صادراً ابتداؤه من المسجد.

قوله: " إن حيضتك ليست في يدك " بفتح الحاء هو المشهور في الرواية،

وهو الصحيح. وقال الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء، وهو

خطأ، وصوابها بالكسر أي: الحالة والهيئة. وأنكر القاضي عياض هذا

على الخطابي قال: الصواب هنا ما قال المحدثون من الفتح؛ لأن المراد

الدم وهو الحيضة بالفتح بلا شك، لقوله- عليه السلام-: " ليست في

يدك " معناه: أن النجاسة التي يُصان عنها المسجد- وهي دم الحيض-

ليست في يدك، وهذا بخلاف حديث أم سلمة: " فأخذت ثياب حِيضتي "

فإن الصواب فيه الكسر.

قلت: لِمَا قاله الخطابي وجه؛ لأن قوله- عليه السلام-: " إن

حيضتك ليست في يدك " هي الحال التي تلزمها الحائض من التجنب

والتحيض كما يقال: القِعدة والجلسة، يراد بها حال القعود والجلوس،

والحَيضة- بالفتح- هي الدُفعة الواحدة من دفعات دم التحيض.

ويستفاد من الحديث أن للحائض أن تتناول الشيء من المسجد، وتُناول

الشيء أيضاً لمن في المسجد، وأن من حلف لا يدخل داراً أو مسجداً لا

يحنث بإدخال يده فيه، وكذلك بعض جسده ما لم يدخله بجميع بدنه.

والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرجه ابن ماجه

من حديث عبد الله البهيّ عن عائشة- رضي الله عنها-.

***


(١) سورة الإسراء: (١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>