قلت: أما عند أبي حنيفة وأصحابه الزمان والعادة هو الفَيصل بينهما، فإذا
أضلت عادتها تحرت، وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل، وأما عند
الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفَيصل، فالأسود أقوى من
الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر،
والأصفر أقوى من الأكدر، إذا جعلناهما حيضاً، فتكون حائضاً في أيام
القوي، مستحاضة في أيام الضعيف، والتمييز عنده بثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً. والثاني: أن لا ينقص
عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضاً. والثالث: أن لا ينقص الضعيف عن
خمسة عشر يوماً ليمكن جعله طُهراً بين الحيضتين، وبه قال مالك،
وأحمد.
وقال الشيخ محيي الدين: علامة انقطاع الحيض والحصول في الطهر،
أن ينقطع خروج الدم والصفرة والكدرة، وسواء خرجت رطوبة بيضاء،
أم لم يخرج شيء أصلاَ ٠
قال البيهقي وابن الصباغ: التَرِيّةُ رطوبة خفية، لا صفر فيها ولا كدرة،
تكون على القطنة أثر لا لون، وهذا يكون بعد انقطاع الحيض. والترية
بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف مشددة.
ثم اعلم: أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال
لأول صلاة تدركها، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة أو صوماً،
ويكون حكمها حكم الطاهرات، ولا تستطهر بشيء أصلا، وبه قال
الشافعي، وعن مالك ثلاث روايات: الأولى: تستطهر ثلاثة أيام، وما
بعد ذلك استحاضة. والثانية: تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوماً،
وهي أكثر مدة الحيض عنده. والثالثة: كمذهبنا.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: فيه جواز استفتاء المرأة بنفسها
ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة وأحداث النساء، وجواز استماع
صوتها عند الحاجة.