قلت: الحديث مطلق، يُستفادُ منه جواز التيمم لأجل رد السلام ونحوه
وفي معناه صلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما، سواء وجد الماء أو لا،
ولا ضرورة إلى حمله على أنه كان عادماً للماء؛ لأنه تخصيص بلا
مخصص.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل لا ينبغي أن يُسلم على
البائل، وكذا على قاضي الحاجة، فإن سَلَم عليه كُرِهَ رَدُه عليه.
الثانية: إذا فرغ من قضاء حاجته يرد عليه السلام، وأما تيممه- عليه
السلام- لرد السلام فإنه يمكن أن يكون قصد بذلك أن لا يذكر الله إلا
على طهر؛ لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعنى سلام عليك
رحمة سلام عليك، كذا قاله البعض. ويؤيد ما ذكرناه ما روي في
الحديث الذي يأني وقال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليه السلام إلا أني لم
أكن على طهر "، فإذا جاز إقامة عبادة ما بالتيمم مع وجود الماء، جاز به
صلاة الجنازة أيضاً عند خوف الفوات؛ لأنها عبادة أيضاً، وكذا صلاة
العيد عند الخوف.
الثالثة: جواز التيمم بالجدار سواء كان عليه غبار أو لم يكن، لإطلاق
الحديث، وهو حجة لأبي حنيفة على مخالفيه.
الرابعة: فيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل: كسجدة التلاوة
والشكر، ومس المصحف ونحوها، كما يجوز للفرائض وهذا بالإجماع،
إلا وجه شاذ منكر للشافعية، أنه لا يجوز إلا للفريضة.
الخامسة: فيه دليل أن التيمم هو مسح الوجه واليدين بالتراب ونحوه.
فإن قيل: كيف تيمم بالجدار بغير إذن مالكه؟ فالجواب: أنه محمول
على أنه كان مباحاً أو مملوكاً لإنسان يَعرفه، فأدلَ عليه النبيُ- عليه السلام-
وتيمم به، لعلمه بأنه لا يكره ذلك، بل كان يفرح به، ومثل هذا يحوز
لآحاد الناس، فالنبي- عليه السلام- أولى وأجدر.
/والحديث أخرجه البخاري والنسائي، وأخرجه مسلم منقطعاً، وهو