للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما بوله- عليه السلام- في سباطة القوم يحتمل وجوهاً:

الأول- وهو الأظهر-: أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهونه، بل

يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه، والأكل من

طعامه، والاستمداد من بحيرته، ولهذا ذكر علماؤنا أن من دخل بستان

غيره يباح له الأكل من فاكهته، إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط

ومحبة.

والثاني: أنها لم تكن مختصة بهم، بل كانت بفناء دورهم للناس

كلهم، فأضيف إليهم لقربها منهم.

والثالث: أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة، إما صريحاً أو دلالة..

فإن قلت: قد روي: " أنه- عليه السلام-[كان] إذا أراد حاجة

أبعد " (١) ، فكيف بال في السباطة التي بقرب الدور؟ قلت: لعله كان

مشغولاً بأمور المسلمين، والنظر في مصالحهم، وطال عليه مجلسٌ حتى

حزقه البول، فلم يمكنه التباعد، ولو أبعد لتضرر، وارتاد السباطة

لدمثها (٢) ، وقام حذيفة بقربه ليستره من الناس " (٣) .

قوله: " ثم دعا بماء فمسح على خفيه " فيه حذف، أي: بعد أن فرغ

من البول طلب ماء فتوضأ ومسح على خفيه.

قوله: " فذهبت أتباعد " من قول حذيفة. فإن قلت: كيف أدناه، وفي

حديث آخر لما أراد قضاء الحاجة قال: " تنح "؟. قلت (٤) : " إنما أدناه


(١) أخرجه بهذا اللفظ النسائي في: كتاب الطهارة، باب: الإبعاد عند قضاء
الحاجة (١/١٧- ١٨) ، وابن ماجه بنحوه في كتاب الطهارة، باب: التباعد
للبراز في الفضاء (٣٣٤) من حديث عبد الرحمن بن أبي فراد. وأخرجه
أبو داود (١) ، والترمذي (٢٠) ، والنسائي (١/١٨) ، وابن ماجه (٣٣١) من
حديث المغيرة بن شعبة بلفظ: " كان إذا ذهب المذهب أبعد ".
(٢) سهُل ولان.
(٣) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(٤) انظر: " شرح صحيح مسلم " (٣/١٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>