نحن أيها الأحبة بحاجة إلى تفسير فقهي معاصر يعنى بالشمولية والاستيعاب، فيجمع آيات الأحكام الفقهية كلها لا يتقيد بمنهج دراسي، ثم يتناول هذه الآيات كلها بالتوضيح والبيان، لا يقتصر في بيانها على الوجه الذي أشبع بحثاً ولكنه مع هذا يلتمس من مدلولاتها علاج المجتمعات الأمية المعاصرة بشتى أشكالها وألوانها ويظهر فيما يظهر العلاج الإسلامي لكثير من قضايا العصر الشائكة، لا يلتزم مذهباً بعينه يلوي النصوص لتوافقه، ولا يدخل النص بذهن مشبع بالقواعد يلتمس لها أدنى مبرر في النصوص؟!.
ينظر في النص فيستخرج منه دلالته الصريحة الواضحة مستنداً إلى الكتاب والسنّة ثم ينظر بعد ذلك في الأفكار والمذاهب الأخرى يرد عليها ويبطلها ..
منطلقاً من النص القرآني الكريم ـ ما أحوج الأمة في عصرنا هذا إلى هذا الدستور القرآني ... ولعلي بلغت.
ثالثاً: ولا شك أن أفضل طرق التفسير تفسير القرآن بالقرآن فإن لم تجد فعليك بالسنّة فإنها شارحة له مفسرة وهذا ما اصطلح عليه بالتفسير بالمأثور.
وهذا النوع من التفسير كان هو السائد في صدر الإسلام لأنه أصح أنواعه.
ثم نشأ التفسير بالرأي المحمود وانبثق التفسير بالرأي المذموم ودخل التفسير علوم شتى فتعددت مذاهبه وتعددت طرقه ومناهجه، فقلت العناية والاهتمام بالتفسير بالمأثور وكاد أن يندرس في كثير من التفاسير القديمة والحديثة.
وعجبت ثالثة وأنا أنظر في كتب التفسير في العصر الحديث أبحث فيها عن تفسير أولى بالمأثور اهتماماً كبيراً أو أختص به فما وجدت ووجدت فيما وجدت تفاسير تتعامل مع التفسير المأثور كما تتعامل مع علوم أخرى حيناً تورده وحيناً تهمله أو تنساه أو تجهله ... وهل يجهل المفسر السنّة!! هذا ما حدث ... !!.
ووجدت فيما وجدت تفاسير تأتي بما يخالفه ... ووجدت فيما وجدت تفاسير تفسر بمعناه من غير أن ترويه ... ووجدت ووجدت أشكالاً وألواناً من التعامل مع التفسير بالمأثور ـ لكن لم أجد من يوليه حقه من الاهتمام ويلتزمه في كل موضع من مواضعه التي ورد فيها.
حتى تلك التفاسير التي تحمل عناوين التفسير بالمأثور لا نراها تلتزمه حتى وإن سميت بـ "التفسير القرآني" للقرآن بل جاوز هذا أحدهم فبث إلحاده في تفسير سماه ـ كيداً ومكراً ـ "الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن" وتعلق بهذه التسمية بعض أرباب المذاهب والفرق الضالة ليموهوا على الناس الحق فسموا تفسيرهم "الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة" وما حشاه صاحبه إلا بالآراء المبتدعة والروايات الموضوعة!!.
وأكثر من رأيته يهتم بهذا المنهج في التفسير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" فقد أولاه عناية واهتماماً كبيرين وفاق بهما أقرانه ... ويليه بفارق كبير الأستاذ محمد رشدي حمادي في تفسيره "الموجز في تفسير القرآن الكريم المصفى: الجامع بين صحيح المأثور وصريح المعقول" كما وصفه صاحبه في عنوانه.
والأمة الإسلامية في العصر الحديث بحاجة إلى تفسير يعني بالتفسير بالمأثور ... بالقرآن وبالسنّة ... يورد الآية القرآنية ويورد بعدها ما يفسرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وينطلق بعدهما لبسط ما تدل عليه من معان وما ترسمه من حقائق ...
الأمة الإسلامية بحاجة إلى هذا النوع من التفسير يورد فيه ما صح من الأحاديث ويبين درجته، ويرد ما ضعف منها، أو ما هو موضوع ويحذر من القول به ... فقد انتشرت في كتب التفسير أحاديث يرددها الناس ويحسبونها صحيحة ويقفون عندها لا يتجاوزونها وإذا جئت بتفسير آخر أصح منه نظر إليك من طرف أو صوب عليك بصره ... وكأنك أتيت بالجرم الكبير الذي لا يغتفر.