نحن ـ أمة الإسلام ـ بحاجة إلى تفسير ينشر التفسير الحق ويظهره ...
ويورد التفسير الضعيف أو الموضوع ويرده ويبطله حتى لا تقوم قائمة إلا للحق وحتى ينمحي الباطل. اللهم هل بلغت.
رابعاً: قلت ـ فيما قلت ـ في النتيجة السابقة أن التفسير قد اتسع بعد صدر الإسلام فدخلت فيه علوم شتى.
وأقول إن من بين هذه العلوم، العلوم التجريبية كالطب والفلك وعلم طبقات الأرض وعلم الحيوان وعلم النبات و ... و .... إلخ من تلك العلوم، فاهتم بعض العلماء آنذاك بهذه العلوم فأدخلها بعضهم في التفسير وأكثر منها فيه حتى قيل عنه فيه كل شيء إلا التفسير.
كان هذا في وقت لم تكن فيه تلك العلوم إلا وليدة تحبو على يديها وقدميها ... ومرت قرون وترعرعت فيه وشبت فقامت تثب على قدميها وتعدو ... حتى حسبها بعضهم قد نضجت واكتملت وانتهت إلى أوج نشاطها حسب مدلولاتها ... وما عرفوا أنها مازالت تنمو وأنها ما زالت تتغير وتتبدل ...
وبلغ من عناية أبناء القرن الرابع عشر الهجري بهذه العلوم واهتمامهم به أن كان أول تفسير كامل للقرآن الكريم يتم في هذا القرن هو ذلك التفسير الذي حشاه صحابه بتلك النظريات والحقائق العلمية صغيرها وكبيرها فلا يكاد يمر بكلمة فيها ذكر لآلة أو نبات أو حيوان أو خلق إنسان أو ريح أو مطر أو سحاب أو سماء أو أرض ونحو ذلك إلا وأحال تفسيره إلى بحث علمي بحت خاص بما عرضت الإشارة إليه في الآية وملأه بالصور الموضحة والتجارب العلمية والشواهد من كلام أهله وخبرائه وعلمائه الجديد منها والقديم حتى تشك وأنت تقرأ فيه فيما بين يديك فتطويه وتنظر إلى غلافه فإذا هو فعلاً كتاب الجواهر في تفسير القرآن الكريم ويأخذك العجب والدهش بين مسماه وما تقرأ فيه، فتسأل أهل الذكر فيشيرون بالصمت ... بالصمت لتسمع كلمة جاءت من عمق القرون السالفة تجلجل ... فيه كل شيء إلا التفسير ... فما زالت تلك الكلمة منذ قيلت تشق مسارها في التاريخ راسمة أحرفها على كل من سلك هذا المسلك المتطرف في التفسير حتى وإن كان فيه تفسير. لأن هذا طغى عليه فأفسده فلم يعد تفسيراًَ.
وكم أشفق على تلك الكلمة: "فيه كل شيء إلا التفسير"، فقد مكثت سنوات منذ قيلت معطلة لم تجد لها عملاً لكن العمل المرهق جاءها جملة في هذا القرن، حيث نشأت تفاسير كثيرة فيها كل شيء إلا التفسير، فذهبت ترسم نفسها على الأغلفة لا يراها إلا أصحاب البصيرة وأهل العلم والذكر ...
لست من أعداء التفسير العلمي كما تحسبون ولست من أنصاره ومؤيديه كما تظنون. أنا ـ أيها الأحبة ـ إن سألتم عن موقفي وسط بينهما ... لست من أولئك الذين يرفضون التفسير العلمي حتى حقائقه ولست من الذين يتحمسون له حتى نظرياته وتصوراته.
كما شكوت من أولئك الذين يقحمون التفسير العلمي التجريبي فإني أتضايق من أولئك الذين يرفضونه كل الرفض.
ليته ينفر منا طائفة من شتى أصحاب العلوم والمعارف يستفيد من خبراتهم نفر من أهل العلم الشرعي يسألونهم عن حقائقه فيستشهد بها هؤلاء في التفسير ... ولا يفسرون بها النص.
ويسألونهم عن نظرياته فلا يوردونها لا تفسيراً ولا استشهاداً لأنها ما زالت متأرجحة لا تستقر ومن يستمسك بمتأرجح فإنه لا بد متأرجح معه وإن سقط سَقط معه ...
أعرف أن هناك من سيرفض قولي وأعرف أن هناك من سيعدله ويقوم ما يراه معوجاً ولعل فيهم من يقبله ويراه حقاً ... وهذا رأيي والله أعلم.
خامساً: أنزل الله سبحانه وتعالى هذا القرآن الكريم لحكم عظيمة غايتها تصحيح العقائد وتقويم السلوك.