سادساً: قام في القرن الرابع عشر الهجري رجال علماء بذلوا وسعهم حسب مفهومهم وحسب قدراتهم للإصلاح سياسياً واجتماعياً وكان لهؤلاء جوانب مشرقة وكان لهم أخرى ونال هؤلاء الرجال منزلة كبيرة في مجتمعاتهم بين العلماء والعامة. ونفذ بعض المغرضين وذوي النحل الباطلة من هذه "الأخرى" فأمسوا يبثون شكوكهم وأوهامهم وبدعهم ومنكراتهم فإذا قام معترض عليهم قال لهم إنكم تردون اليوم ما كان يقرره فلان منذ ٤٢ عاماً؟.فيطرق القوم وكأنه قال لهم قول معصوم.
تقولون وما دخل هذا في التفسير؟! فأقول إن بعض هؤلاء كان لهم نشاط في التفسير منه ما أبدعوا فيه ومنه ما جانب الصواب و ... أخشى ـ وقد حدث فعلاً ـ أن يستدل رجل بالجانب الذي وقع فيه الخطأ فيحسبه آخرون قد أتى بالحجة القاطعة.
علينا إذاً أن نقيم رجال التفسير فنظهر ما لهم ونظهر ما عليهم أين كتب الرجال في القرن الرابع عشر؟
حقاً إن كثيراً منهم ما زال حياً يرزق وحقاً إن بعضهم قد انتشر صيته؟ ولكن أقولها عن تجربة إذا ما أردت ترجمة قصيرة عن حياة أحدهم فضلاً عن الجرح والتعديل فإني لا أجد له رائحة.
حبذا لو قام أحدنا بالكتابة عن مفسري القرن الرابع عشر وليس عن اتجاهات التفسير فحسب.
يكتب تراجم لحياتهم العلمية ومؤهلاتهم للتفسير ومن تتوفر فيه شروط المفسر منهم ومن لا تتوفر فيه، ثم يكتب ما له في التفسير وما عليه ويرد أو يناقش بعض أخطائه الظاهرة في التفسير.
وبذلك ننقي ساحة التفسير وساحة المفسرين من زغلها وزيغها ونكشف للناس حقيقتها فلا يجرؤ مجترئ بعد ذلك أن يستدل بهفوة، ولا يطأطئ أحدنا رأسه مسلِّماً باحتجاج زائف.
علماً أن الأمر لا يقتصر على ذوي الهفوات من المفسرين، بل سلك بعضهم طريقاً خاصاً ونهجاً إلحادياً علانية يسعى لأن يُرَدَّ عليه فيشتهر ويرى ـ لضعف إيمانه أو عدمه ـ إن الإلحاد هو اقصر طريق إلى الشهرة.
فعلينا أن نقف لتلك الزمرة بالمرصاد دفاعاً عن كتاب الله عز شأنه، نقف لهم فلا نحقق مأربهم ولا ننشر كتبهم بشتى الوسائل ونسعى أن يكون موقفنا منهم درساً رادعاً لمن يقف خلفهم أو ينتظر فرصة ليفعل فعلهم. اللهم هل بلغت.
سابعاً: اختلاف أساليب التعبير عبر القرون ظاهرة واضحة لا شك فيها وكم من قصيدة سمعناها فأدركنا من مفرداتها ونغمها وجرسها أنه شعر جاهلي أو شعر إسلامي أو شعر حديث أو حتى شعر أندلسي ونحو ذلك ... وقع هذا لأن لكل مجتمع ما يناسبه من الألفاظ والعبارات.
وهذا يوجب على المفسر أن يتحدث بأسلوب عصره فلا يأتي ـ وهو يفسرـ بغريب الألفاظ ولا يتكلف الحديث ولا يمعن في عويص المعاني ولا يتشدق في التعبير.
لا يعلو حديثه عن درك العامة ولا يهبط إلى وضيع القول عند العلماء فليحاول جهده في التعبير بحيث إذا سمعه غير المتخصص أدرك أبعاده وشده أسلوبه وإذا سمعه العالم شده حسن التعبير وطلاوة الأسلوب ... والموازنة هذه يهبها الله لمن يشاء من عباده.
أما التبسيط العميق للتفسير، فإنه يحيل التفسير إلى كتاب مدرسي يوضع للناشئة إن لم يكن وضع لهم أصلاً، مثل هذا يبعد كل البعد عن الإتيان بجديد في الفكر أو في التدبر أو في التأمل.
ولهذا لم يكن لهذه المؤلفات أثر في دراستنا هذه عن مناهج التفسير الجادة.
والإغراق في العبارات أيضاً يقصر القائدة منه على المختصين والعلماء ويحرم سواهم من الانتفاع به، والقرآن الكريم لم ينزل لهؤلاء وحدهم ولا لهؤلاء دون سواهم، بل نزل للجميع فليكن التفسير للجميع أيضاً.