للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا اعتبرنا أصول الفقه قانونا يتوصل به إلى استنباط الأحكام وكيفية التطبيق السليم فإن الاهتمام اليوم بالمقاصد أكثر من ذي قبل يعد خطوة نحو تلبية متطلبات الحياة ومسايرة قضاياها المستجدة لاستيعاب جميع متغيراتها.

ومن المعلوم أن التشريع وليد الحاجة فما قام تشريع في أمة ولا نشر فيها قانون إلا وقد قام في البلاد قبلهما حاجة تدعو إليهما فيأتي التشريع ويصاغ القانون على قدر تلك الحاجة الداعية والقوانين في جميع أنحاء العالم لا تلبث بعدة مدة من وضعها أن تصبح غير وافية بالنسبة لبعض الأحداث فالاهتمام بالمقاصد يساعد على إيجاد الحلول المناسبة لما استجد من القضايا في إطار من الضوابط قد سبق بيانها في أثناء الرسالة حتى لا يكون لأهواء الناس مدخل في استنباط الأحكام أو تطبيقها.

وقد بين ابن عاشور شدة حاجة الفقيه إلى معرفة المقاصد في مثل هذه الحالة " فاحتياجه فيها ظاهر وهو الكفيل بدوام الشريعة الإسلامية للعصور والأجيال التي أتت بعد عصر الشارع والتي تأتي إلى انقضاء الدنيا "

ـ خامسا: المقاصد متداخلة لا يكاد ينفك بعضها عن بعض ولقد تبين فيما سبق

أنها خادمة لبعضها فقد يكون المقصد وسيلة مفضية إلى مقصد أعلى منه كما أن المقاصد الجزئية للأحكام تندرج بدورها في دوائر تنتهي إلى المقاصد الكلية التي تنتهي بدورها إلى المقصد الأعلى وهو تحقيق مصالح العباد في الدنيا والمعاد.

سادسا: المقاصد العامة معان حقيقية تهدف الشريعة إلى تحقيقها في واقع الحياة حتى تكون على تلبية حاجيات المسلمين وساعية نحو الأفضل في تنظيم مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإلى تحقيق كل ما ينفع الأفراد والأمة من خير يعود على خدمة الضروريات والحاجيات والتحسينيات.

سابعا: المقاصد العامة مع الفطرة وهي أساس هام بني عليه هذا الدين قال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (٣٠) سورة الروم

ومما يؤكد عليه الإمام أن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد نظرا لهم من رب الأرباب

ثامنا: ينبغي أن تكون الاجتهادات الفردية أو الجماعية المؤقتة أو الدائمة مرتبطة بواقع الحياة وبمقاصد الشريعة الإسلامية كضابط لهذه الاجتهادات من الزيغ والانحراف وليكون أقرب ما تكون إلى الصواب وأجدر بالتطبيق العلمي في الحياة.

الضابط الأول: ارتباط الاجتهاد بواقع الحياة.

الارتباط كما نعيشه من ناحية ويشمل جميع مجالات هذا الواقع من ناحية أخرى نتفادى الثغرات – إن لم نقل الفراغ – الذي نعيشه في عدد غير قليل من مرافق التنظيم الاجتماعي الذي ما تزال مبادئ التشريع فيها معتمدة على حضارة وفلسفة أجنبيتين.

لذا كان لزاما على العالم أن تكون علاقته بالمجتمع الذي نعيشه علاقة وطيدة – كعلاقة إمامنا العز بمجتمعه – حتى تكون آراؤه آراء عالم خبير بأحوال النفوس دارس لها متعمق في

دراستها فاحص لأحوال عصره عارف بظروفه ذلك بأن هذه الآراء والفتاوى مواقف يتحرك بها المجتمع نحو التغيير ولا يقتصر ضررها على الفرد بل يتجاوزه إلى الأمة وكل خطأ في تقدير الموقف محسوب على توجهات المجتمع وسلامته.

الضابط الثاني: انبناء الاجتهاد على مقاصد الشريعة.

ويبدو ارتباط الاجتهاد فيما قرره الإمام من أن المقاصد مرجوع إليها

وأن كل غافل عنها في حكمه أو فتواه يلزمه أن ينقض حكمه ويرجع عن فتواه وأما من أفتى على ما تقتضي قواعد الشريعة وإقامة مصالحها فكيف يحتاج إلى نقل جزئي مخصوص من كلي اتفق على إطلاقه من غير استثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>