والحل المقبول - ولا أدعي أنه المثالي - هو ذاك الذي يجمع بين الأصالة والجدة، يأخذ من القديم المعاني والمضامين، ويقتبس من الجديد الصياغة والتنظيم، فمن ثم يتحقق له عنصر الاستمرارية والبقاء، فيصبح مقبولاً مستساغاً من الأجيال الحاضرة والمستقبلة.
الحل المقترح:
يأخذ الحل الاتجاه في مسارين:
الأول: حل في اتجاه المسار التقليدي الموروث.
الثاني: حل في اتجاه التجديد في الصياغة والتنظيم.
الأول: الحل في اتجاه المسار التقليدي الموروث:
قبل طرحه وعرضه لابد من الوقوف على أسباب هذا التباين والاختلاف بين كتب المذاهب - وإن كان هذا يخضع لاتجاه أرباب كل مذهب، والجانب الفكري الملحوظ لدى مؤلفيهم - فإن للحصر الضيق المحدود لتقسيم الفقه الإسلامي إلى ثلاثة أقسام رئيسية أو أربعة تحت عناوين محدودة قد يكون من أهم الأسباب إن لم يكن أهمها مما أرغم الفقهاء أنفسهم إلى إيجاد بعض المناسبات المتكلفة، والمسوغات الضعيفة المنتحلة لإلحاقها بواحد من تلك الأقسام.
فإذا صح هذا فالحل كله أو أعظمه يعتمد على توسيع التقسيم، بل إيجاد تقسيمات جديدة مستقلة تضاف إلى تلك الأقسام الرئيسية، وحينها تنعدم الحاجة إلى تلك المناسبات فيأخذ كل باب موضعه، والقسم المناسب له؛ إذ يبدو كل شيء طبيعياً منسجماً مع زمرته.
أخذ المبادرة في هذا الاتجاه العلامة الفقيه محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي المتوفي سنة (٧٤١هـ) في كتابه المعروف (قوانين الأحكام الشرعية).
الفقه عنده ينقسم تقسيماً موضوعياً إلى قسمين:
العبادات والمعا ملات.
وضمن كل قسم عشرة كتب وهذه هي بداية التقسيم الأساسي، يحتوي كل كتاب على عشرة أبواب فانحصر الفقه عنده في عشرين كتاباً، ومائتي باب.
بهذا التقسيم الواسع الذي أعطاه فسحة في التنظيم استطاع أن يبتكر كتباً جديدة (وليست أبواباً) في التقسيم مكنته أن يضم كل موضوع إلى ما يجانسه، ويضع تحت عنوان كل (كتاب) الأبواب التي تنسجم معه، وبهذا خلص من تكلف وضع بعض الأبواب تحت كتب لا تتلاءم معها إلا بشيء من التكلف.
كان ابن جزي رحمه الله تعالى واعياً لهذه المشكلة في كتب الفقه الإسلامي فمن ثم حاول تفاديها بقدر المستطاع.
" ... وإنما حصرت الكتب والأبواب في هذا العدد لأنني ضممت كل شكل إلى شكله، وألحقت كل فرع إلى أصله، وربما جمعت في ترجمة واحدة ما يفرقه الناس في تراجم كثيرة، راعياً للمقاربة، والمشاكلة، ورغبة في الاختصار ".
فمنهج الترتيب والتبويب بين أبواب الفقه عند ابن جزي يقوم على أسس:
أولها: ضم كل شيء إلى شكله.
ثانيها: إلحاق كل فرع بأصله.
ثالثها: أن يجمع تحت العنوان الواحد (الكتاب) ما تفرقه الناس في تراجم كثيرة، وهذه هي المشكلة التي يتحدث عنها هذا البحث.
فلا عجب - وقد نهج ابن جزي هذا المنهج، واتجه هذا الاتجاه في الترتيب والتبويب - أن تستجد عنده عناوين جديدة، نتيجة ضم الأبواب المتجانسة من الموضوعات الفقهية لتمثل كتاباً مستقلاً مجموعاً من أبواب متقاربة ومتناسبة، ويستقيم له بذلك المنهج.
إذا ألقينا نظرة فاحصة على قائمة الموضوعات الفقهية في كتابه (القوانين) لحصر الجديد في التبويب نجد أول ما يصافح أنظارنا (القسم الأول في العبادات) وأبواب هذا القسم وموضوعاته هي تلك المألوفة في الكتب الفقهية في المذاهب الأربعة، بدءاً بباب الطهارة، وانتهاء بالجهاد.
أما الإضافة الجديدة في هذا القسم فهو أنه خص الكتاب الثامن لـ (الأيمان والنذور).
الكتاب التاسع: (في الأطعمة، والأشربة، والصيد، والذبائح).
والكتاب العاشر: (في الضحايا، والعقيقة، والختان).